اتّفاق كون البعض المضطرّ إلى تركه هنا نفس الواجب لا على كلّ تقدير ، فثبوته يدلّ على عدم وجوبه على هذا التقدير لا مطلقا ، فيبقى البعض الباقي محتملا للضرر الاخروي وهو العقاب ، لاحتمال كونه الحرام الواقعي الواجب اجتنابه ، فيجب تركه عقلا دفعا للضرر المحتمل ، فهو المقتضي لوجوب الاجتناب عنه.
الأمر الخامس : في أنّ أطراف الشبهة المحصورة قد تكون بطبعها في تحقّقها الخارجي ممّا يوجد تدريجا ، كما لو اشتبهت أيّام الحيض في المستحاضة في تمام الشهر إذا كانت مضطربة بنسيان وقت الحيض مع تذكّر عدد أيّامه بكونه ثلاثة مثلا ، إن لم نقل بوجوب وضعه في أوّل الشهر كما هو الأقوى ، ولا تخييرها في الوضع بين الأوّل والوسط والآخر ، فقد يقال بجريان قاعدة الشبهة المحصورة في نحوه المقتضية لوجوب الاجتناب عن مقاربتها على الزوج في تمام الشهر ، ووجوب الامساك عن دخول المساجد ، وقراءة سور العزائم عليها كذلك ، لوجود مناط وجوب الاجتناب عن الشبهة المحصورة في مثله ، وهو العلم الإجمالي المنجّز للتكليف الموجب لتوجّه الخطاب في قوله تعالى : ( فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ )(١) ولعلّه لذا صار الشيخ إلى وجوب الاحتياط عليها ، فتأمّل.
ويمكن المناقشة فيه بمنع تنجّز التكليف بالعلم الإجمالي هاهنا ، لأنّ من شرطه على ما عرفت ابتلاء المكلّف بجميع أطراف الشبهة ، والابتلاء في الامور التدريجيّة إنّما يحصل جزءا فجزءا فمحلّ الابتلاء من أوّل الشهر في المثال المذكور إنّما هو اليوم الأوّل لا ما بعده إلى آخر الشهر ، ثمّ يصير اليوم الثاني محلاّ للابتلاء عند دخوله وهكذا اليوم الثالث والرابع إلى آخر الشهر ، فالمعلوم بالاجمال في كلّ يوم دائر بين محلّ الابتلاء وغير محلّ الابتلاء ومعه لا يقطع بتوجه الخطاب بالاجتناب لرجوع الشكّ في كلّ يوم إلى التكليف.
ويمكن الذبّ عنها : بأنّ محلّ الابتلاء في كلّ شيء بحسبه ، ويتطرّق المنع إلى عدم الابتلاء في أوّل الشهر بجميع أيّام الشهر ، فإنّ ضابط الابتلاء في الامور التدريجيّة إنّما هو قطع السلامة أو ظنّها ، على معنى البقاء إلى تمام الشهر في نحو المثال مع القطع أو الظنّ بالتمكّن من الارتكاب في كلّ يوم يوجد تدريجا ، فيصير جميع أيّام الشهر حينئذ محلاّ للابتلاء بالقياس إلى هذا المكلّف.
__________________
(١) البقرة : ٢٢٢.