وهو قوله تعالى : ( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ )(١) كناية عمّا أعطاه الله تعالى من المال الّذي يجب الإنفاق منه على الموسر على حسب إيساره وعلى المعسر على حسب إعساره ، لكون كلّ مقدورا لصاحبه ، مع عدم كون إنفاق ما لم يعطه الله سبحانه مقدورا. فالمقصود من الآية نفي التكليف بغير المقدور فلا تشمل ما نحن فيه ، لعدم خروج فعل ما احتمل وجوبه ولا ترك ما احتمل حرمته بسبب الجهل بحكمه الواقعي بالخصوص مع الالتفات إليه عن مقدور المكلّف.
وبذلك ظهر أيضا منع الاستدلال بآية اخرى وهي قوله تعالى : ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها )(٢) فإنّه لنفي التكليف بما هو خارج عن وسع المكلّف ومقدوره ، ومحلّ البحث ليس خارجا عن وسعه.
نعم معرفة ما لم يبيّنه الله تعالى من الحكم الشرعي المجعول غير مقدورة للمكلّف فيكون التكليف بها منفيّا بنصّ الآيتين ، ولذا استدلّ بهما الإمام عليهالسلام لنظير ذلك في المرويّ عن الكافي عن الصادق عليهالسلام أنّه سئل هل جعل في الناس أداة ينالون بها المعرفة؟ قال : « لا ، قيل : فهل كلّفوا المعرفة؟ قال : على الله البيان ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها ) و ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ ما آتاها )(٣) غير أنّ ذلك خارج عن معقد البحث ، إذ ليس الكلام في معرفة ما لا يمكن معرفته لعدم بلوغ بيانه إلى المكلّف ممّا بيانه من شأنه تعالى لا غير ، بل في فعل ما لم يعلم وجوبه من حيث إنّ حكمه بملاحظة الجهل بحكمه الواقعي هل هو عدم الوجوب فلا يعاقب على تركه أو الوجوب أخذا بالاحتياط؟
ومنها : قوله تعالى : ( وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ ) (٤) أي ما يجتنبون به عن الأفعال والتروك ، وظاهرها أنّه تعالى لا يخذلهم ولا يعذّبهم بعد هدايتهم إلى الإسلام إلاّ بعد ما يبيّن لهم ما يطيعونه وما يعصونه به ، ولذا ورد في المروي عن الكافي (٥) وتفسير العيّاشي (٦) وكتاب التوحيد (٧) يعني : « يعرّفهم ما يرضيه و [ ما ] يسخطه ».
وبالجملة فالآية تدلّ على نفي خذلان المكلّفين على ترك التقوى ، وهو الاجتناب عن
__________________
(١) الطلاق : ٧. (٢) البقرة : ٢٨٦.
(٣) الكافي ١ : ١٦٣ ، ح ٥ ، كتاب التوحيد : ٤١٤ ـ والآيتان من سورة البقرة : ٢٨٦ ، والطلاق : ٧.
(٤) التوبة : ١١٥. (٥) الكافي ١ : ١٦٣ ، ح ٣.
(٦) تفسير العيّاشي : ٢ : ١١٥ ، ح ١٥٠. (٧) كتاب التوحيد ـ للصدوق : ٤١٤ ، ح ١١.