الحرام أو لا بهذا القصد ، فإنّ إبقاء مقدار الحرام فيهما أولى بالوجوب ، بل ربّما أمكن فيهما القول بوجوب اجتناب الكلّ ، نظرا إلى أنّ فرض العزم على ارتكاب الكلّ يستدعي استحضار جميع المحتملات والابتلاء بالجميع فيوجب خروج المفروض على تقدير تحقّق الفرض عن ضابط الشبهة الغير المحصورة ، ويرتفع معه مانع تنجّز التكليف وتوجّه الخطاب المقتضي للموافقة القطعيّة المتوقّفة على اجتناب الجميع ، إلاّ أن يدفع وجوبه بلزوم العسر والحرج وهو لا ينفي وجوب اجتناب البعض حتّى مقدار الحرام فيجب إبقاؤه.
وكيف كان فالمسألة بجميع صورها الثلاث محلّ إشكال ، لكنّ الأقوى في صورة عدم العزم من ابتداء الأمر جواز الارتكاب مطلقا ، للأصل السليم عن مزاحمة حجّيّة العلم الإجمالي. وما ذكر في منع جريانه إنّما يتّجه على تقدير انحصار مدركه في حكم العقل بقبح التكليف بلا بيان وليس كذلك ، بل العمدة فيه الروايات العامّة المتقدّم إليها الإشارة في الوجه الثاني من الاستدلال على حكم الشبهة الغير المحصورة بالتقريب المتقدّم في تتميم هذا الاستدلال ، ومرجعه إلى دعوى سلامة عموم الروايات عن مزاحمة حجّيّة العلم الإجمالي وتنجّز التكليف معه.
والسرّ فيه كونه في محلّ اجتمع معه جهة اخرى موجبة للشكّ في حدوث التكليف بالاجتناب عن الحرام الواقعي ، فلاحظ وتأمّل.
الصورة الثانية : وغيرها من صور دوران الأمر بين الحرام وغير الواجب من الشكّ في المكلّف به في الشبهة الحكميّة لفقد النصّ أو إجماله أو تعارضه لمثله ، ولم نقف لهذه الصور على أمثلة محقّقة في الشرعيّات ، إلاّ ما قد يفرض لصورة إجمال النصّ من الخطاب الوارد في تحريم الغناء ، وهو مجمل لاختلاف أهل اللغة في مفهومه ، موجب إجماله لاشتباه مصداقه المحرّم الواقعي بغيره ممّا ليس بمحرّم ، لدوران مفهومه بسبب الاختلاف المذكور بين الطرب والترجيع ، وبينهما عموم وخصوص من وجه ، ولا شبهة في مادّة اجتماعهما ، وإنّما الاشتباه في مادّتي الافتراق ، فإنّ إحداهما غناء في الواقع مشتبه بغيره.
وكيف كان فينبغي التكلّم في حكم هذه الصور على تقدير تحقّقها في الشرعيّات.
فنقول : إنّ حكم هذا المشتبه نظير ما تقدّم في الشبهة المحصورة من وجوب الاجتناب عن جميع محتملاته نعلا بنعل وقذّا بقذّ ، لاتّحاد الطريق من ورود الخطاب بتحريم العنوان الصادق على المشتبه المعلوم بالاجمال مع استقلال العقل بكون العلم الإجمالي كالعلم