التفصيلي في توجّه الخطاب وتنجّز التكليف بالاجتناب عن الحرام الواقعي على وجه يعاقب على مخالفته ، فيحتمل العقاب في ارتكاب كلّ ، وهو احتمال للضرر الاخروي الّذي يجب دفعه عقلا ، ولا يتمّ إلاّ باجتناب الجميع ، مضافا إلى استدعاء الاشتغال اليقيني للامتثال والخروج عن العهدة على وجه اليقين ، ولا يتمّ إلاّ باجتناب الجميع فيجب مقدّمة.
المطلب الثاني : من الشكّ في المكلّف به في دوران الأمر بين الواجب وغير الحرام من مستحبّ أو مباح أو مكروه لشبهة موضوعيّة أو حكميّة لفقد نصّ أو إجماله أو تعارضه ، فالصور أربع أيضا :
الصورة الاولى : ما لو كان الاشتباه عن شبهة موضوعيّة كالصلاة إلى القبلة المشتبهة بين الجوانب الأربع لمن اشتبه عليه القبلة ، والفائتة من الفريضة المشتبهة بين الثنائيّة والثلاثيّة والرباعيّة إلى غير ذلك من الأمثلة.
وقد يتوهّم أنّ هذين المثالين ونظائرهما من دوران الأمر بين الواجب والحرام لا من دورانه بين الواجب وغير الحرام كما هو مفروض المقام ، لأنّه كما أنّ الصلاة إلى القبلة واجبة فكذلك الصلاة إلى غير القبلة محرّمة.
وفيه : أنّ المراد من الحرام في مقابلة الواجب هاهنا ما كان حرمته شرعيّة وهي فيما ذكر تشريعيّة ، على معنى أنّ تشريع الصلاة إلى غير القبلة حرام ، ويتأتّى ذلك بالاتيان بها على أنّها مأمور به مع العلم بعدم كونه مأمورا به أو مع عدم العلم بكونه مأمورا به ، والاتيان بها إلى ما يحتمل كونه قبلة عند الاشتباه لرجاء كونها مأمورا بها احتياط وليس بتشريع ، بل هو رافع لموضوع التشريع فلا يكون محرّما.
وكيف كان ففي وجوب الاحتياط بالجمع بين المحتملات المستلزم للتكرار هاهنا أو التخيير بينها المقتضي للاجتزاء بواحدة خلاف على قولين ، ومن الأعلام (١) من صار إلى الثاني والأقوى الأوّل.
لنا على ذلك : ورود الأمر بالصلاة إلى القبلة الواقعيّة ، وبقضاء الفائتة الواقعيّة ونحو ذلك ، فيعاقب على مخالفته بالترك ، وإذا اشتبهت لجهل أو نسيان أو نحو ذلك احتمل العقاب في ترك كلّ من محتملاتها فيجب دفعه عقلا بالفعل ، مع أنّ يقين البراءة بعد يقين الاشتغال لا يحصل إلاّ بالاحتياط والجمع بين المحتملات فيجب ، لوجوب اليقين.
__________________
(١) القوانين ٢ : ٢٥.