مثال في الشرعيّات.
وربّما استدلّ على وجوب الاتيان بالباقي مطلقا على حسب ما ساعد عليه الوقت أو المكنة بعموم « الميسور لا يسقط بالمعسور (١) » و « ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه (٢) » و « إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم (٣) ».
وفيه نظر خصوصا بالقياس إلى الأخيرة ، ودونه بالقياس إلى الثانية ، لظهورهما في غير ما نحن فيه.
هذا كلّه فيما لو دار الواجب المشتبه بغير الحرام بين المتبائنين ، وقد يكون دائرا بين الأقلّ والأكثر مع كون الشبهة موضوعيّة ، وهذا على قسمين باعتبار كون الأقلّ والأكثر استقلاليّين أو ارتباطيّين ، والأوّل مثل الفائتة المردّدة بين الأربع والخمس ، والدين المشتبه بين أربعة دنانير أو خمسة ، وصوم شهر رجب المأمور به المشتبه بين تسعة وعشرين يوما أو ثلاثين يوما ، مع كون كلّ يوم مأمورا به بالاستقلال لاشتباه هلال هذا الشهر.
والثاني مثل هذا المثال مع فرض كون مجموع الشهر من حيث المجموع مأمورا به ، ومنه نذر صوم شهر رجب والتزامه بعقد الإجارة ، فهل المرجع فيهما أصل البراءة ، أو أصل الاشتغال؟
والحقّ التفصيل ، ففي الاستقلاليّين لا مرجع إلاّ أصل البراءة ، لرجوع العلم الإجمالي المفروض فيه بالنسبة إلى المكلّف به بعد العلم بأصل التكليف إلى العلم التفصيلي بالتكليف في الأقلّ والشكّ في الزائد ، والأصل يقتضي عدم الوجوب ، ولا يعقل فيه جريان أصل الاشتغال ، لحصول يقين البراءة بالنسبة إلى الأقلّ وعدم العلم بالتكليف في الزائد.
وفي الارتباطييّن لا مرجع إلاّ أصل الاشتغال ، للشكّ في البراءة على تقدير الاقتصار على الأقلّ ، لأنّه على تقدير وجوب الأكثر لا يفيد براءة لا بالنسبة إلى الأكثر ولا بالنسبة إلى نفسه ، وهذا واضح.
الصورة الثانية : ما لو كان اشتباه الواجب بغير الحرام لشبهة حكميّة من جهة فقد النصّ كاشتباه الواجب في يوم الجمعة ، بين الظهر والجمعة وفي بعض المواضع بين القصر والاتمام ، والكلام فيه تارة في جواز المخالفة القطعيّة وعدمه واخرى في وجوب الموافقة القطعيّة وعدمه ، والباعث على البحث في هاتين الجهتين ملاحظة العلم التفصيلي ، فإنّه إذا حصل بالحكم الواقعي وبموضوعه لزمه أمران حرمة مخالفته القطعيّة ووجوب الموافقة
__________________
(١) عوالي اللئالي ٤ : ٥٨ مع اختلاف يسير.
(٢) نفس المصدر.
(٣) نفس المصدر.