ترك ما احتمل الحرمة.
ولكنّ الحاسم لمادّة الإشكال هو استعلام حال العقل ، فإن جوّز العقاب على ترك الاحتياط على الوجه المذكور فلا محيض من التزام وجوبه دفعا للضرر المحتمل ، وإلاّ فالمتّجه جواز الأمرين.
ولا يبعد القول بأنّ بناء العقلاء في نحو الصورة المفروضة على عدم الالتزام بشيء من الفعل والترك حتّى يعلم نوع الخطاب بالتفصيل ، والمسألة بعد في ورطة الإشكال وإن كان الوجه الأخير لا يخلو عن قوّة.
الصورة الثالثة : ما لو اشتبه الواجب بغيره لشبهة حكميّة من جهة إجمال النصّ ، بأن يرد التكليف الوجوبي بأمر مجمل كما في قوله تعالى : ( فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ )(١) لإجمال ذكر الله بين الظهر والجمعة ، وقوله تعالى : ( حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى )(٢) لإجمال الوسطى بين الظهر والعصر وغيرهما ، وما لو قيل : « إذا وطئت الحائض فكفّر بمثقال من العين » لإجمال « العين » بين الذهب والفضّة. والظاهر أنّ الخلاف المتقدّم آت هنا أيضا ، والمختار المختار من وجوب الاحتياط بالجمع بين الفعلين ، والدليل الدليل ، والظاهر عدم الفرق فيه بين كون الإجمال أصليّا أو طارئا من اختفاء البيان.
وتوهّم لزوم الإغراء بالجهل وتأخير البيان عن وقت الحاجة.
يدفعه : منع قبحه كما عرفت ، سيّما إذا كانت المصلحة الداعية إليه بعث المكلّف على الامتثال بطريق الاحتياط ليتكامل أجره ويتضاعف قربه ، والمخالف في المسألة بعض الأعلام (٣) وقبله المحقّق الخوانساري (٤) في ظاهر كلماته.
الصورة الرابعة : ما لو كان الاشتباه لتعارض النصّين وتكافؤهما ، كما في بعض مسائل القصر والإتمام ، قيل : المشهور هنا التخيير استنادا إلى أخبار التخيير (٥) في العمل بالخبرين المتعارضين المترجّحة على أخبار الاحتياط ، لكونها أقوى منها سندا ودلالة.
وقيل : بالاحتياط استنادا إلى عدم تناول أخبار التخيير لنحو المقام ، بملاحظة قرائن في تلك الأخبار قاضية بأنّ الإمام عليهالسلام إنّما حكم بالتخيير من باب الضرورة والإلجاء ، وتحقيق القول في ذلك موكول إلى محلّه فانتظره ، هذا كلّه في دوران الأمر بين المتبائنين.
__________________
(١) الجمعة : ٩.
(٢) البقرة : ٢٣٨.
(٣) القوانين ٢ : ٣٧.
(٤) مشارق الشموس : ٧٧.
(٥) انظر الوسائل ١٨ : ٨٧ ـ ٨٨ الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، ح ٣٩ و ٤٠ و ٤١ و ٤٤.