ومنها : ما ورد من رفع القلم عن الصبيّ والمجنون (١) ، على معنى رفع قلم المؤاخذة والعقوبة عنهما.
ومنها : ما في الخبر من قوله عليهالسلام : « كلّ كذب مسؤول عنه صاحبه إلاّ في ثلاثة : رجل كائد في حربه فهو موضوع عنه (٢) » إلى غير ذلك ممّا يقف عليه المتتبّع.
لا يقال : تخصيص الرفع بهذه الامّة ربّما تعطي كون المرفوع عنها في هذه التسعة أثرا خاصّا غير المؤاخذة وإن لم يكن معيّنا عندهم ، لاستقلال العقل بقبح المؤاخذة على الامور الخارجة عن اختيار المكلّف وما اضطرّ إليه أو اكره عليه ، فلا اختصاص لرفعها بهذه الامّة ، فلابدّ وأن يقدّر أثر شرعي آخر لم يستقلّ العقل بالحكم برفعه كان ثابتا في الامم السابقة فتفضّل تعالى على هذه الامّة برفعه عنهم ، كما وقع نظيره في بعض الأحكام المختصّة بقوم موسى على نبيّنا وعليهالسلام ، ككون توبتهم قتالهم فيما بينهم ، وكون تطهيرهم عن البول حيث أصابهم أخذ الموضع بالمقاريض ، وقد رفعهما سبحانه عن هذه الامّة ببركات نبيّهم صلىاللهعليهوآله.
لأنّا نمنع انفهام التخصيص المتوهّم في المقام بدلالة معتبرة ، ألا ترى أنّه لو قيل : « رفع الفقر عن زيد » لم يدلّ في متفاهم العرف على نفي رفع الفقر عن عمرو.
وبالجملة هذا التخصيص المتوهّم المتضمّن لنفي رفع المؤاخذة عن سائر الامم ممّا لا موجب له إلاّ مفهوم اللقب ، وهو غير حجّة عند الجمهور.
وتوهّم كونه ممّا يقتضيه الامتنان ، يدفعه : منع ورود الخبر في معرض الامتنان ، بل المقصود منه الإخبار برفع المؤاخذة على التسعة من باب بيان الواقع.
ولو سلّم فالقصد إلى إيقاع المنّة على هذه الامّة بذلك الخطاب لا ينافي وقوع مثلها على الامم السابقة بخطاب متقدّم من أنبيائهم ، إذ من الجائز كونه تعالى قد منّ الله على جميع الامم برفع المؤاخذة على التسعة عنهم.
وبالجملة الامتنان المقصود في الرواية على [ تقدير ] تسليمه لا يصلح مقتضيا لكون رفع التسعة من خصائص هذه الامّة ، وذلك إمّا من جهة كون عدم رفعها عن الامم السابقة محقّقا ومقتضيا لحصول الامتنان برفعها عن هذه الامّة ، أو باعتبار كون رفعها عن الامم السابقة مانعا عن حصوله برفعها عن هذه الامّة ، ولا سبيل إلى شيء من ذلك ، لأنّ حصول
__________________
(١) الوسائل ١ : ٣٢ الباب ٤ من أبواب مقدّمة العبادات ، ح ١١.
(٢) قرب الأسناد ( الجعفريّات ) : ١٧٠ ( باختلاف يسير ) ، وانظر المستدرك ٩ : ٩٤ ب ١٢٢ من أبواب أحكام العشرة ، ح ٤.