فالصحّة في الأجزاء اللاحقة غير متيقّنة حتّى يمكن استصحابها.
وكذلك الأوّل لأنّ الصحّة عبارة عن ترتّب الأثر من موافقة أمر على رأي المتكلّمين ، وسقوط قضاء على رأي الفقهاء ، وهي في الأجزاء السابقة لا يمكن أن تكون فعليّة بل شأنيّة ، ويعبّر عنها بالصحّة التأهلّيّة ، ولا يمكن استصحابها لانتفاء الشكّ اللاحق ، فإنّها عبارة عن كون الأجزاء السابقة بحيث لو انضمّ إليها الأجزاء اللاحقة وارتبطت بها كان المجموع منهما صحيحا فعليّا ، وثبوت هذا المعنى لها يقيني والشكّ إنّما هو في صحّة التقدير ، ولا يمكن إحرازها بيقين الصحّة التأهّليّة فضلا عن استصحابها مع عدم الحاجة إليه ، فلا مقتضي لترتيب آثار عدم القاطعيّة الّذي هو معنى ترتيب آثار الصحّة الفعليّة.
ثمّ إنّ القول بمرجعيّة أصل البراءة في مسألة الشكّ في الجزئيّة أو الشرطيّة أو المانعيّة أو القاطعيّة لا ينافي القول بأصالة الفساد في العبادات والمعاملات كما توهّمه بعض الفضلاء ، واعترض به على بعض الأعلام القائل بالأصلين ، بناء على أنّ قضيّة الفساد الّذي جعله أصلا في العبادات هو البناء على أصل الاشتغال أخذا بالقدر المتيقّن ممّا يحصل به الامتثال ، لوضوح أنّ معنى الشكّ في كون شيء جزءا أو شرطا للعبادة إنّما هو الشكّ في صحّة الخالي عن المشكوك فيه وفساده ، وإذا كان الأصل في جانب الفساد تعيّن القول بالاشتغال أخذا بالقدر المتيقّن.
ووجه عدم المنافاة : أنّ الفساد بمعنى عدم كون الشيء بحيث يترتّب عليه الأثر أصل أوّلي يثمر في الرجوع إليه حيث لم يكن أصل ثانوي وارد أو حاكم عليه ، وكما أنّ عموم الدليل أو إطلاقه أصل ثانوي فكذلك أصل البراءة عند الشكّ في الأجزاء أو الشروط أصل ثانوي.
غاية الأمر أنّ الأوّل لكونه أصلا لفظيّا اجتهاديّا وارد على الأصل الأوّلى ، والثاني حاكم عليه بحكومة دليله على دليل الأصل الأوّلي فلا تدافع.
الصورة الثانية : فيما لو كانت الشبهة الحكميّة من مسألة دوران المكلّف به بين الأقلّ والأكثر من جهة الشكّ في الجزئيّة أو الشرطيّة أو المانعيّة لإجمال النصّ ، ومن فروضه ما لو عبّر عن العبادة في الخطاب الوارد في التكليف بها بلفظ مجمل مفهوما أو مرادا ، وذلك كلفظ « الصلاة » وغيرها من العبادات المختلف في كونها للصحيحة أو الأعمّ منها ومن الفاسدة ، بناء على ما حقّقناه في ثمرة الخلاف فيها من أنّها بالقياس إلى الأجزاء عند الإشكال فيها باعتبار الشكّ في الجزئيّة مجملة على القولين ، غير أنّ الإجمال على القول