ومن الأعلام من يظهر منه في بحث المطلق والمقيّد تبعا للعلاّمة في التهذيب مرجعيّة أصل الاشتغال ، حيث إنّه بعد الكلام في وجوب حمل المطلق في قوله : « أعتق رقبة » على المقيّد في قوله : « أعتق رقبة مؤمنة » وترجيح المجاز في المطلق بإرادة المقيّد على المجاز في المقيّد بإرادة الاستحباب ، قال : « ولئن سلّمنا تساوي الاحتمالين ، فنقول : إنّ البراءة اليقينيّة لا تحصل إلاّ بالعمل بالمقيّد كما ذكره العلاّمة في النهاية (١) ».
ثمّ دفع اعتراض سلطان العلماء بأنّه لم يحصل العلم بشغل الذمّة مع احتمال إرادة المجاز من المقيّد حتّى يجب تحصيل اليقين بالبراءة عنه ، فلا وجه لوجوب العمل به ، بقوله : « إنّ المكلّف به حينئذ هو القدر المشترك بين كونه نفس المقيّد أو المطلق ، ونعلم أنّا مكلّفون بأحدهما ، فاشتغال الذمّة إنّما هو بالمجمل ولا يحصل البراءة منه إلاّ بالإتيان بالمقيّد ، وإنّما يتمّ كلام المعترض لو سلّمنا أنّا مكلّفون بعتق رقبة مّا ، ولكن لا نعلم هل يشترط الإيمان أم لا؟ فحينئذ يمكن نفيه بأصل البراءة وليس كذلك ، بل نقول بعد تعارض المجازين وتصادم الاحتمالين يبقى الشكّ في أنّ المكلّف به هل هو المطلق أو المقيّد؟ وليس هنا قدر مشترك يقيني يحكم بنفي الزائد عنه بالأصل ، لأنّ الجنس الموجود في ضمن المقيّد لا ينفكّ عن الفصل فلا تفارق بينهما » (٢) انتهى.
وفيه : أنّ مقابلة المقيّد للمطلق بعد البناء على تساوي الاحتمالين لم تؤثّر إلاّ في إجمال المطلق ، لدورانه حينئذ بين إرادة الماهيّة لا بشرط أو الماهيّة بشرط شيء ، وهذا يوجب الانقطاع عن الأصل اللفظي وهو الإطلاق ، لا الانقطاع عن الأصل العملي وهو أصل البراءة ، لتيقّن التكليف بعتق رقبة مّا ورجوع الشكّ إلى اشتراطها بالإيمان ، ودوران المكلّف به بين المطلق والمقيّد لا ينفي تعلّق التكليف بعتق رقبة مّا ، وهو القدر المشترك اليقيني الّذي لا يمكن نفيه بالأصل ، بخلاف اشتراطها بالإيمان الّذي يمكن نفيه بالأصل السليم عن المعارض.
الصورة الرابعة : فيما لو كانت الشبهة في دوران المكلّف به بين الأقلّ والأكثر باعتبار الشكّ في الجزئيّة أو الشرطيّة موضوعيّة ، وقد تقدّم بيان حكمها بكلا قسميها من الاستقلاليّين والارتباطيّين في ذيل الصورة الاولى من دوران المكلّف به بين المتبائنين ، ولا حاجة إلى الإعادة.
ثمّ إنّ في المقام امورا مهمّة متعلّقة بالجزء والشرط والمانع وينبغي التعرّض لها.
__________________
(١) القوانين ١ : ٣٢٥.
(٢) القوانين ١ : ٣٢٥ ـ ٣٢٦.