المطلب الثالث : من الشكّ في المكلّف به فيما لو اشتبه الواجب بالحرام ، بأن يعلم كون أحد الفعلين واجبا والآخر حراما واشتبه أحدهما بالآخر لشبهة موضوعيّة أو حكميّة ، ومن أمثلة الأوّل ما لو اشتبهت الزوجة المنذور وطؤها بالمطلّقة المحرّم وطؤها ، وهذا مما لا يمكن فيه الاحتياط لدوران الأمر بين المحذورين ، ففعل الجميع يوجب المخالفة القطعيّة بارتكاب الحرام ، كما أنّ ترك الجميع يوجب المخالفة القطعيّة بترك الواجب ، فتعيّن الرجوع فيه إلى أصالة التخيير القاضية بإتيان أحدهما وترك الآخر ، لاستقلال العقل بكون الموافقة الاحتماليّة مع احتمال المخالفة أولى من الموافقة القطعيّة مع القطع بالمخالفة عند دوران الأمر بينهما.
خاتمة : في شروط إعمال أصل البراءة وما بمعناه من الاصول ، كاستصحاب البراءة الأصليّة واستصحاب عدم التكليف الإلزامي من وجوب أو تحريم فيما كان حالته السابقة عدم ذلك الحكم ، والتحقيق أنّه ليس له إلاّ شرطان :
أحدهما : الفحص الّذي هو عبارة عن طلب ما يرفع الشبهة من أمارة أو دليل علمي أو ظنّي معتبر ، بل هو شرط في الجملة.
وتفصيل القول فيه : أنّ أصل البراءة على ما ظهر من تضاعيف مباحثه قد يكون معمولا في الموضوعات وهو الّذي يعبّر عن الشبهة المعتبرة في مجراه بالشبهة الموضوعيّة ، وقد يكون معمولا في غيرها ممّا يرجع إلى الحكم الشرعي الكلّي أو متعلّقه المعبّر عنه بالمكلّف به ، وهو الّذي يعبّر عن الشبهة المعتبرة في مجراه بالشبهة الحكميّة.
فالكلام في اشتراط العمل به بالفحص وعدمه يقع في مقامين :
المقام الأوّل : فينبغي القطع بعدم وجوب الفحص في إعمال أصل البراءة في الموضوعات ، وعدم اشتراطه بالبحث والسؤال في شبهة تحريميّة أو وجوبيّة ، دليله بعد الإجماعات المنقولة الإجماع العملي وهو السيرة القطعيّة من المسلمين الكاشفة عن الرضاء ، فإنّها في جميع الأعصار وكلّ الأمصار مستقرّة في البناء في الموضوعات على الاصول من دون فحص وسؤال ، من دون فرق فيه بين العوامّ والخواصّ من العلماء والفقهاء ، حتّى أنّ الفقهاء في كلّ عصر كانوا يرخّصون أتباعهم من العوامّ بالبناء على الاصول فيها من دون أن يكلّفوهم الفحص ، مضافا إلى أخبار ذلك الأصل ممّا يختصّ بالشبهات التحريميّة كصحيحة عبد الله بن سنان ، ورواية مسعدة بن صدقة ولا سيّما في