بمعرفتها ، والرواية ظاهرة في الاتّحاد. وما ذكر في الترديد لا ينهض قرينة على ارتكابه ، إذ الحجب المسند إلى الله سبحانه على أنحاء ثلاث :
الأوّل : حجبه العلم بالحكم الواقعي المجعول بعدم جعله سببا له ونصبه طريقا إليه.
الثاني : حجبه إيّاه برفعه السبب المجعول والطريق المنصوب بتقصير من العاد ، كإخفائه الحجّة عليهالسلام في أزمنة الغيبة الّذي هو طريق منصوب إلى العلم بالأحكام الواقعيّة.
الثالث : حجبه بعدم منعه رافع الطريق المنصوب ـ إذا كان غيّره ـ عن الرفع ، كالقول الصادر عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أو الإمام عليهالسلام في مقام بيان الحكم الواقعي الّذي أسقط عنه الراوي موضع الدلالة عليه ، أو غيّره سهوا أو نسيانا أو خطأ أو عمدا وعنادا ، ونحو ذلك ممّا نشأ من الأعداء والمخالفين في إخفائهم بل إعدامهم آثار الشريعة الحقّة.
وإسناد الحجب إليه تعالى في الأوّلين حقيقيّ وفي الأخير مجازيّ ، لكونه تعالى في عدم منعه الغير عن الرفع كالسبب للحجب الّذي باشره ذلك الغير ، والّذي يقبح منه تعالى هو الأوّل بخلاف الثاني ، لكون السبب في مباشرته تعالى للحجب فيه العباد ، فيصحّ صدوره منه وإسناده إليه مع كونه حقيقيّا ، لعدم منافاته عدله وحكمته ، ولا إخلاله باللطف الواجب عليه ، فليحمل الرواية عليه من دون داع إلى الخروج عن الظاهر ، وهي على هذا الحمل وإن كانت لا تتناول القسم الأخير ـ مع أنّ أصالة البراءة فيما لا نصّ فيه يعمّه والقسم الثاني لكون كلّ ممّا لا نصّ فيه ـ إلاّ أنّه في إثباته مطلقا لا حاجة إلى التعميم في مفاد الرواية ، لأنّ الحكم في غير موردها يتمّ بالإجماع المركّب وعدم القول بالفصل.
ومنها : قوله عليهالسلام : « الناس في سعة ما لم يعلموا » (١) مع نكارة « سعة » فتكون كلمة « ما » مصدريّة ظرفيّة ، أو إضافتها إلى كلمة « ما » فتكون موصولة ، وعلى التقديرين يتمّ المطلوب.
ووجه الدلالة : أنّ السعة عبارة عمّا يقابل الضيق تقابل التضادّ أو العدم والملكة ، والتكليف الإلزامي إيجابا أو تحريما لتضمّنه المنع من الترك أو الفعل تضييق للأمر على المكلّف. وقوله عليهالسلام : « سعة » كناية إمّا عن عدم هذا الضيق ، أو عن الرخصة في الفعل والترك معا ما لم يعلموا الضيق في شبهة حكميّة أو موضوعيّة على قراءة المصدريّة ، أو فيما معا ما لم يعلموا الضيق في شبهة حكميّة أو موضوعيّة على قراءة الموصولة ، بناء على كون الإضافة حينئذ ظرفيّة بتقدير « في » على حدّ ما في « ضرب اليوم ».
__________________
(١) المحاسن : ٤٥٢ ، المستدرك ١٨ : ٢٠ ، الباب ١٢ من أبواب مقدمّات الحدود ، ح ٤.