ويرشد إليه أيضا ما شاع في كلامهم عند إعمال الاستصحاب من قولهم : يجب استصحابه ، إلى غير ذلك من الشواهد الّتي يقف عليها المتتبّع في كلامهم ، فالثبوت يبائن الجميع.
اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ تعريف الاستصحاب بالثبوت مأخوذ عمّا تقدّم من تعريفي البهائي والخوانساري بالإثبات أخذا بلازم الشيء ، فاريد من الثبوت الإثبات من باب التعبير عن الشيء بلازمه ، وفيه تعسّف.
وبالجملة التعريف المذكور لا يخلو عن حزازة وكلفة والخروج عن استقامة.
لا يقال : إنّ تعريفه بالإبقاء والإثبات أيضا لا يلائمه قولهم : « الاستصحاب حجّة أو ليس بحجّة » على حدّ قولهم : « القياس حجّة والاستحسان ليس بحجّة » لمكان المنافرة في قولنا : « الإبقاء حجّة أو الإثبات ليس بحجّة » وأيضا فإنّ الاستصحاب يطلق عليه الدليل. ولا يصحّ أن يقال : الإبقاء دليل ولا الإثبات دليل.
لأنّا نقول : الإبقاء والإثبات والحكم بالبقاء أو الثبوت كلها ألفاظ مترادفة فاريد من بعضها ما يراد بالآخر ، فالمراد بالإبقاء والإثبات هو الحكم بالبقاء والحكم بالثبوت وهو حكم العقل به ظنّا ، ويعني بحجّية الاستصحاب حجّيّة هذا الحكم العقلي وإطلاق الدليل عليه أيضا إنّما هو بهذا الاعتبار ، فيصحّ إضافة الحجّية إلى الإبقاء والإثبات وإطلاق الدليل عليهما بتأويلهما إلى هذا الحكم العقلي.
وينبغي التنبيه على امور :
الأمر الأوّل : أنّ الاستصحاب على ما يظهر بالتأمّل في التعاريف المذكورة وغيرها يعتبر فيه عدّة امور هي من مقوّماته الّتي يلزم باختلال واحد منها انتفاء ماهيّة الاستصحاب ، وهي الحكم وموضوعه واليقين السابق والشكّ اللاحق ، وكون الحكم المتيقّن ثبوته في الآن السابق قابلا للشكّ في بقائه في الآن اللاحق. والمراد بموضوع الحكم أن يكون موضوعه في الآن اللاحق عين ما هو موضوعه في الآن السابق ، والمراد باليقين السابق أن يكون متعلّق اليقين هو الزمان السابق وإن لم يكن ظرفا لوجوده أيضا ، كعدالة زيد إذا حصل اليقين في الآن المتأخّر بثبوتها في آن سابق عليه مع الشكّ في بقائها في ذلك الآن المتأخّر من دون سبق اليقين بها في الآن السابق إمّا لغفلة أو شكّ.
وبالجملة لا يعتبر في اليقين المعتبر في الاستصحاب سبق حدوثها في الزمان السابق ، بل يكفي تعلّقها به وإن تأخّر حدوثه إلى زمان الشكّ ، بحيث يكون زمان واحد ظرفا