والرابع والثالث (١) كاستصحاب نجاسة الكلب الواقع في المملحة المستحيل ملحا ، ويفسده : أنّ النجاسة إنّما ثبتت للكلب وهذا ملح وليس بكلب ، وحكم الملح ولو بحكم الأصل الطهارة ، ومن المستحيل انسحاب حكم موضوع إلى موضوع آخر.
والخامس مدفوع بأنّ حكم العقل مع بقاء موضوعه على الوجه الّذي لاحظه العقل ممّا لا يقبل الشكّ ، ومع عدم بقاء الموضوع خرج المورد عن محلّ الاستصحاب كما عرفت.
الأمر الثاني : أنّ الاستصحاب على تقدير كونه عقليّا ـ كما عليه العامّة وقدماء أصحابنا وتبعهم المصنّف وقبله الفاضلان ـ وهو حكمه الظنّي بأنّ ما ثبت دام ، مندرج في الأدلّة العقليّة كما أشرنا إليه سابقا وشرحناه في الجملة في أوائل مسألة التحسين والتقبيح العقليّين ، ونزيد هنا بيانا : أنّه حكم عقليّ يتوصّل به إلى حكم شرعي بواسطة أخذه كبرى في قياس صغراه فرضيّة ، وينتظم بهذه الصورة : « أنّ الحكم الفلاني قد ثبت ولم يعلم ارتفاعه ، وكلّما كان كذلك فهو باق » وحيث إنّ الكبرى ظنّية فالنتيجة الحاصلة منه ظنّية ، وعليه مبنى القول باعتبار الاستصحاب من باب الظنّ ، بخلاف ما لو أخذ من الأخبار كما عليه متأخّر والمتأخّرين من أصحابنا ، وهو الموافق للتحقيق على ما سنقرّره ، فلا يمكن كونه حينئذ من قبيل الدليل ، ضرورة أنّ المستفاد من قوله عليهالسلام : « لا ينقض اليقين إلاّ بيقين مثله (٢) » إنّما هو وجوب الحكم ببقاء ما كان على ما كان وهذا من قبيل المدلول ، وكذا لو قرّرناه بوجوب ترتيب آثار البقاء على ما كان ، فحينئذ يكون مؤدّاه من الأحكام الظاهريّة المجعولة للجاهل بوصف كونه جاهلا ، وعليه مبنى القول بكونه معتبرا من باب التعبّد وعدّه في عداد الاصول العمليّة المقرّرة للجاهل ، ولا إشكال في كون الحكم المذكور من حيث كونه مستفادا من الأخبار من قبيل القواعد الكلّيّة المأخوذة في المسائل الفرعيّة الاستنباطيّة من باب المبادئ التصديقيّة والمباني الشرعيّة ، نظير قاعدتي نفي الضرر ولزوم البيع ، وقد يجعل الاستصحاب على هذا التقدير من قبيل القاعدة ولعلّه مسامحة من تسمية المتعلّق باسم المتعلّق ، وإلاّ فالقاعدة المستنبطة من الأخبار هو وجوب الحكم بالبقاء ، والاستصحاب موضوع لذلك الحكم لا أنّه نفس القاعدة.
__________________
(١) والظاهر أنّ هذا مثال للقسم الرابع ، وهو استصحاب الشيء مع تبدّل موضوعه ولذا لا وجه لذكر كلمة « الثالث » هنا فافهم.
(٢) الوسائل ١ : ١٧٤ ـ ١٧٥ ، الباب ١ من أبواب نواقض الوضوء ، ح ١ ، و ٣٣٣ ، الباب ٤٤ من أبواب الوضوء ، ح ١ ، و ٢ : ٥٩٤ ، الباب ٤٤ من أبواب الحيض ، ح ٢ ، و ٣ : ٢٢٦ ، الباب ٨ من أبواب القبلة ، ح ٦.