اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ المدلول المستفاد من قوله عليهالسلام : « لا ينقض اليقين أبدا بالشكّ (١) » هو حكم الشارع ببقاء ما كان على ما كان ، والاستصحاب أيضا حكم بالبقاء فيصحّ إطلاق القاعدة عليه وإطلاقه عليها حينئذ.
وفيه ـ مع ما فيه من التكلّف والخروج عن ظاهر النهي بلا صارف ـ : أنّه خروج عن الاصطلاح ، لأنّ الاستصحاب على ما بيّنّاه من قبيل فعل المكلّف ، وما ذكر من التكلّف يقتضي كونه من فعل الشارع.
وعلى أيّ تقدير كان فهل المسألة في بحث الاستصحاب اصوليّة أو لا؟ بل هي من توابع المسائل الكلاميّة الّتي تذكر في هذا الفنّ من باب المبادئ التصديقيّة ، أو أنّها مسألة فرعيّة تؤخذ من مباني الفروع ، نظير سائر القواعد المقرّرة في الفقه لما فيها من المبنائيّة؟ احتمالات لكلّ منها وجه في تقدير.
وتوضيحه : أنّ الاستصحاب على القول به من باب حكم العقل قد عرفت أنّه دليل عقليّ فالبحث عن حجّيّته وعدم حجّيّته يحتمل وجهين :
أحدهما : كونه صغرويّا راجعا إلى حكم العقل ظنّا ببقاء ما كان وعدم حكمه فيه ، نظير الخلاف في حجّيّة العامّ المخصّص وفي حجّيّة المفاهيم كما هو ظاهر بعض أدلّة الفريقين على ما ستعرفه ، وعليه فينبغي القطع بعدم كونه بحثا في مسألة اصوليّة ، لأنّه بحث يقصد به إثبات ذات الدليل العقلي نظير البحث في التحسين والتقبيح العقليّين على ما هو محلّ النزاع بين الأشاعرة والعدليّة ، لا أنّه بحث عن حال الدليل ، فتكون المسألة من توابع المسائل الكلاميّة.
وثانيهما : كونه كبرويّا راجعا إلى الملازمة بين هذا الحكم العقلي الظنّي ـ بعد الفراغ عن إثباته ـ وبين الحكم الشرعي ، وعليه فيقصد بالبحث عن الحجّيّة إحراز وصف الدليليّة لهذا الحكم العقلي الظنّي ، ففي كونه حينئذ مسألة اصوليّة وعدمه وجهان ، مبنيّان على اعتبار وصف الدليليّة في موضوع هذا العلم ـ كما عليه بعض الأعلام على ما سبق في أوائل الجزء الأوّل من الكتاب (٢) عند الكلام في تحقيق موضوع العلم ـ وعدمه بدعوى كونه ذات الدليل كما زعمه بعض الفضلاء.
__________________
(١) الوسائل ١ : ١٧٤ ـ ١٧٥ ، الباب ١ من أبواب نواقض الوضوء ، ح ١ ، و ٢ : ٥٩٤ ، الباب ٤٤ من أبواب الحيض ، ح ٢ ، و ٣ : ٢٢٦ ، الباب ٨ من أبواب القبلة ، ح ٦.
(٢) تعليقة على معالم الأصول ١ : ٢٠٢.