وقد يستظهر ارتضاؤه من شارح الدروس حيث إنّه بعد حكاية كلامه قال : « ولا يخفى أنّ هذا إنّما يصحّ لو بنى المسألة على أنّ ما تيقّن بحصوله في وقت ولم يعلم أو يظنّ طروّ ما يزيله يحصل الظنّ ببقائه والشكّ في نقيضه لا يعارضه ، إذ الضعيف لا يعارض القويّ ، لكن هذا البناء ضعيف ، بل بناؤها على الروايات مؤيّدة بأصالة البراءة في بعض الموارد وهي تشمل الشكّ والظنّ معا ، فإخراج الظنّ منه ممّا لا وجه له أصلا » انتهى (١).
قيل : ويمكن استظهاره من الشهيد أيضا في الذكرى حيث ذكر. « أنّ قولنا : « اليقين لا ينقضه الشكّ ) لا يعنى به اجتماع اليقين والشكّ ، بل المراد أنّ اليقين الّذي كان في الزمن الأوّل لا يخرج عن حكمه بالشكّ في الزمان الثاني ، لأصالة بقاء ما كان فيؤول إلى اجتماع الظنّ والشكّ في الزمان الواحد فيرجّح الظنّ عليه كما هو مطّرد في العبادات » انتهى (٢).
وحيث إنّ بناء الاستصحاب على الظنّ عندنا فاسد على ما ستعرفه ، فلا يهمّنا التكلّم في تحقيق أنّ الظنّ الاستصحابي هل يعتبر نوعا أو شخصا.
ومنها : ما يتلى عليك في تضاعيف الكلام في بيان أقسام الاستصحاب والتعرّض لبيان جهات انقسامه ، فليعلم : أنّه ينقسم تارة باعتبار دليل المستصحب ، واخرى باعتبار نفس المستصحب ، وثالثة باعتبار الشكّ المأخوذ فيه ، وهذه هي الجهات الأوليّة الّتي باعتبارها ينقسم الاستصحاب.
أمّا الجهة الاولى : فمن وجوه ثلاث :
أوّلها : انقسامه إلى استصحاب حال العقل واستصحاب حال الشرع ، وإنّما جعلناه من انقسامه باعتبار الدليل لأنّ العقل والشرع كلاهما دليلان ، وهذا أوفق بالاعتبار من جعله من الانقسام باعتبار المستصحب كما سبق إلى بعض الأوهام. والحالان المأخوذان في هذين القسمين قسمان من الحال الّتي يضاف إليها الاستصحاب في قولهم : « استصحاب الحال » وهي عبارة عن الحالة العارضة للشيء المتيقّن ثبوتها في آن ، المشكوك بقاؤها في آن آخر لا حق بالآن الأوّل ، وهي بالاعتبار الأوّل تسمّى بالحالة السابقة المعتبر ملاحظتها في الاستصحاب ، على معنى أنّ تلك الحالة العارضة باعتبار كون ثبوتها في الآن الأوّل متيقّنا يقال لها الحالة السابقة لا مطلقا ، فحال العقل وحال الشرع يراد بهما الحالتان العارضتان للشيء باعتبار استناد ثبوتهما إلى الدليل العقلي أو الدليل الشرعي كائنا ما كان. وعليه فقرينة مقابلة حال العقل بحال الشرع تقتضي كونها عبارة عن الحالة المستندة إلى العقل ،
__________________
(١) مشارق الشموس : ١٤٢.
(٢) الذكرى ١ : ٢٠٧ مع اختلاف يسير.