جماعة فإمّا مبنيّ على عدم العثور بالخلاف ، أو على عدم الاعتداد به ، وعدم الاعتناء بشأنه إمّا لشذوذه فلا يقدح في الإجماع ، أو لسبق الإجماع عليه فيقطع بفساده.
وأمّا العقل : فلأنّه ببداهته يحكم بقبح العقاب والمؤاخذة على الفعل أو الترك من غير بيان للحكم الإلزامي الّذي يترتّب ذلك على مخالفته مع انحصار طريق معرفته في بيان الشارع ، فيحكم بخلوّ ذمّة المكلّف عن ذلك الحكم المشكوك فيه ما لم يبلغ بيانه إليه وإن كان مجعولا في الواقع.
ألا ترى أنّ العقلاء لا يرتابون في ذمّ المولى الّذي يؤاخذ عبده على مخالفة ما يعترف بعدم بيانه له ، ولو اعتذر العبد بعدم بلوغ بيان المولى إليه كان عذره مقبولا وليس للمولى دفعه بالاحتمال.
وقد يقرّر الدليل العقلي : بأنّ التكليف بما لا طريق للمكلّف إلى العلم به تكليف بما لا يطاق فيقبح وقوعه ، كما عن السيّد أبي المكارم في الغنية (١) ، وتبعه بعض من تأخّر عنه ، وكأنّ المراد به أنّ امتثال ما لا طريق إلى معرفته على وجه يجزم حين الفعل بكونه امتثالا غير مقدور ، ومرجعه إلى كون الإتيان بالفعل بعنوان أنّه مأمور به ـ على معنى القصد إلى هذا الوصف العنواني ـ مع الجزم به غير مقدور ، وإلاّ فالإتيان بالفعل من حيث هو أو لرجاء كونه مأمورا به بالنظر إلى احتمال الوجوب مقدور.
ولكن يتوجّه إليه أنّه إنّما يتمّ على تقدير اشتراط قصد الوجه والعلم به في الامتثال ، بأن يكونا من قيود المأمور به أو من شروط الامتثال ، أو اشتراط العلم بالوجه لكونه مقدّمة لقصد الوجه الّذي هو مقدّمة لقصد الإطاعة والامتثال الّذي هو من شروط صدق الامتثال ، والكلّ محلّ منع ، لأنّ الامتثال ربّما يتأتّى مع الاحتمال ، بأن يأتي بالفعل لرجاء كونه مأمورا به امتثالا لذلك الأمر المحتمل.
وقد عرفت أنّ الإتيان به على هذا الوجه مقدور ، كما أنّ امتثال التكليف به مع عدم العلم به عند احتماله والشكّ فيه مقدور.
نعم لا يصحّ أن يكون غرض الآمر من الأمر بالفعل مع عدم بيانه للمأمور امتثال أمره على هذا الوجه ، إلاّ أن يدلّه على وجوب الاحتياط عموما وهو الإتيان بكلّ ما احتمل فيه الوجوب لرجاء كونه مأمورا به في الواقع ، ومع عدمه كان أمره للغرض المذكور سفها
__________________
(١) الغنية ٢ : ١٠٥.