بسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
ـ تعليقة ـ
في أصل البراءة
واعلم أنّ المرجع الّذي يرجع إليه المجتهد في جميع المسائل الفرعيّة عند الاستنباط منحصر في الدليل والأصل ، وقد تقدّم الإشارة إلى الفرق بينهما ، وهو أنّ الدليل ما كان متعرّضا للواقع ناطقا به بإفادته القطع أو الظنّ به كما اشير إليه بوصف التوصّل المأخوذ في تعريفه الاصطلاحي ، والأصل ما لا تعرّض فيه للواقع أصلا باعتبار دخول الشكّ في موضوعه ، وهو بهذا المعنى المقابل للدليل منحصر في الاصول الأربع المعروفة : الاستصحاب ، وأصالة البراءة ، وأصالة الاشتغال ، وأصالة التخيير ، والحصر هنا مع مساعدة الاستقراء التامّ عليه عقليّ دائر بين الإثبات والنفي ، وذلك لأنّ المكلّف بالقياس إلى واقعة معيّنة إمّا أن يكون غافلا صرفا أو يكون ملتفتا إليها طالبا لمعرفة حكمها.
والأوّل خارج عن موضوع البحث ، فإنّه بالقياس إلى الواقعة المغفول عنها بضابطة قبح تكليف الغافل لا تكليف عليه في تلك الواقعة.
والثاني بعد استفراغ الوسع إمّا أن يحصل له القطع بحكم الواقعة ، أو يحصل له الظنّ به ، أو لا يحصل شيء منهما بل يبقى على شكّه ويستقرّ له ذلك الشكّ.
والأوّل خارج عن معقد البحث ، لأنّ وظيفته حينئذ اتّباع قطعه.
والثاني هو موضوع حجّيّة الظنّ الّذي عقد له باب على حدة.
والثالث مجرى الأصل ، وحينئذ فإمّا أن يكون الشكّ المفروض له بحيث يلاحظ معه حالة سابقة أو لا.