مباحث تعارض الاستصحاب لسائر الاصول والقواعد الّتي منها قاعدة الطهارة.
وبجميع ما بيّنّاه في تلك الرواية يظهر الحال في الرواية الاخرى ، وهي قوله : « الماء كلّه طاهر حتّى يعلم أنّه قذر (١) ».
فالإنصاف : أنّ الأخبار الخاصّة الواردة في موارد جزئيّة لا تنهض لإثبات الاستصحاب بقول مطلق ، لأنّ منها ما لا دلالة عليه أصلا ، والدالّ منها عليه أيضا لا يدلّ إلاّ على الاستصحاب في بعض الأشياء كالطهارة عن الحدث أو عن الخبث مع كون الشكّ في بقائها وارتفاعها باعتبار الشكّ في طروّ رافعها.
وقد يستدلّ أيضا لإثباته مطلقا بالإجماعات الجزئيّة المنعقدة في موارد خاصّة على الاعتناء والتعويل على اليقين السابق إلى أن يعلم خلاف الحالة السابقة ، كما في مسألة المتطهّر إذا شكّ في طروّ الحدث من البناء على الطهارة إلى أن يعلم طروّ الحدث إجماعا ، وفي مسألة المحدث الشاكّ في التطهّر من البناء على الحديث إلى أن يعلم الطهارة إجماعا ، وكذلك البناء على طهارة ثوب أو بدن أو غيرهما إلى أن يعلم طروّ النجاسة ، أو على نجاستها إلى أن يعلم طروّ الطهارة إجماعا ، والبناء على بقاء ما علم كونه ملكا لزيد مثلا على ملكيّته إلى أن يعلم المزيل إجماعا ، والبناء على حياة الغائب وبقاء أمواله وزوجته في ملكه وزوجيّته إلى أن يعلم موته ، والبناء على بقاء الليل أو النهار في شهر رمضان المعبّر عنه بمستصحب الليل والنهار إجماعا ، إلى غير ذلك ممّا يقف عليه المتتبّع في الفروع. فيستفاد من مجموع هذه الإجماعات أنّ الاستصحاب بجميع أفراده من الاصول الشرعيّة من دون اختصاص له ببعض الموارد دون بعض.
ويمكن المناقشة فيه أوّلا : بمنع كون البناء المذكور في معاقد الإجماعات تعويلا على الحالة السابقة ليكون استصحابا ، لجواز كون كلّ في مورده قاعدة اخرى غير الاستصحاب أثبتها الإجماع.
غاية الأمر مصادفة القاعدة لمورد الاستصحاب ، وهذه لا يقضي بكونه المعتمد ، كما عرفته في قاعدة الطهارة المستفاد من النصّ.
وثانيا : بمنع ثبوت عموم الحجّية بتلك الإجماعات بعد تسليم كون معاقدها من
__________________
(١) الوسائل ١ : ١٠٠ ، الباب ١ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٥.