ومن التفاصيل : الفرق في حجّيّة الاستصحاب بين الامور العدميّة فالحجّية والامور الوجوديّة فعدم الحجّية.
وربّما يشكل الحال في عدّه قولا بالتفصيل مقابلا لانكار الحجّية رأسا مع ملاحظة ما تقدّم عند تحرير محلّ النزاع من نفي الخلاف تارة ودعوى الإجماع اخرى على حجّيّة الاستصحاب في العدميّات ، القاضي بخروجها عن محلّ النزاع وانحصاره في الوجوديّات ، فلو صحّحنا هذه الدعوى لم يعقل كون ما ذكر تفصيلا في المسألة ، بل هو قول بنفي الحجّية رأسا فيما هو محلّ النزاع.
ولكنّ الّذي يهوّن الخطب في ذلك هو ما قدّمناه من منع دعوى خروج العدميّات عن محلّ النزاع ، بدعوى عمومه لها أيضا استنادا إلى شواهد سبق ذكرها.
ويمكن أن يستشهد له أيضا بظواهر عبائر الحاجبي والعضدي والتفتازاني ، ففي المختصر : « الاستصحاب : الأكثر كالمزني والصير في والغزالي على صحّته ، وأكثر الحنفيّة على بطلانه ، سواء كان نفيا أصليّا أو حكما شرعيّا (١) » فإنّ التعميم بعد نقل الخلاف يقضي بعموم الخلاف للنوعين ، بناء على كون المراد بالنفي الأصلي مطلق الأمر العدمي وبالحكم الشرعي الحكم الشرعي الوجودي ، وإنّما جعله مقابلا للأمر العدمي لأنّ عدم الحكم فيما كان المطلوب بالاستصحاب هو العدم ليس حكما شرعيّا.
وعلى طبقه عبارة العضدي في الشرح قائلا بعد تعريف الاستصحاب بما سمعته مرارا ـ : « وقد اختلف في صحّة الاستدلال به لا فادته ظنّ البقاء وعدمها لعدم إفادته إيّاه ، فأكثر المحقّقين كالمزني والصير في والغزالي على صحّته ، وأكثر الحنفيّة على بطلانه فلا يثبت به حكم شرعي ، ولا فرق عند من يرى صحّته بين أن يكون الثابت به نفيا أصليّا ، كما يقال فيما اختلف في كونه نصابا : لم يكن الزكاة واجبة عليه والأصل بقاؤه ، أو حكما شرعيّا مثل قول الشافعيّة في الخارج من غير السبيلين : أنّه كان قبل خروج الخارج متطهّرا والأصل البقاء حتّى يثبت معارض والأصل عدمه (٢) ».
وعلى طبقه عبارة التفتازاني في شرح الشرح قائلا : « وقد اتّفق أكثر المحقّقين كالمزني والصير في والغزالي على صحّة الاحتجاج به ، واتّفق أكثر الحنفيّة على بطلان الاحتجاج به ، سواء كان الاستصحاب نفيا أصليّا وهو استصحاب بقاء النفي الأصلي ، أو حكما شرعيّا
__________________
(١) مختصر الاصول ٢ : ٤٥٣.
(٢) شرح مختصر الاصول ٢ : ٤٥٣.