فالأقوى في مسألة التعادل هو التخيير على ما سنحقّقه في محلّه ، ولئن قلنا بالتساقط أو الوقف ، فالمرجع هو أصل البراءة لعموم أدلّته.
وممّا يدلّ على التخيير في المتعارضين التوقيع المرويّ عن الاحتجاج عن الحميري ، حيث كتب إلى الحجّة عجّل الله فرجه « يسألني بعض الفقهاء عن المصلّي إذا قام من التشهّد الأوّل إلى الركعة الثالثة ، هل يجب عليه أن يكبّر؟ فإنّ بعض أصحابنا قال : لا يجب عليه تكبيرة ويجوز أن يقول بحول الله وقوّته أقوم وأقعد. الجواب في ذلك حديثان : أمّا أحدهما : فإذا انتقل عن حالة إلى اخرى فعليه التكبير وأمّا الحديث الآخر : فإنّه روي أنّه إذا رفع رأسه من السجدة الثانية وكبّر ثمّ جلس ثمّ قام فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير ، والتشهّد الأوّل يجري هذا المجرى ، وبأيّهما أخذت من باب التسليم كان صوابا » الخبر (١).
فإنّ الجواب بما ذكر تعليم لطريق العمل بالخبرين عند التعارض ، والنكتة في العدول عن بيان الحكم الواقعي مع إمكانه إليه في تلك الواقعة لا بدّ وأن تكون اقتضاء المصلحة ثمّة بقاء هذا الاختلاف الناشئ عن اختلاف الخبرين ، وعليه فلا حاجة إلى التزام عدم وجوب التكبير عنده في الواقع ، لتمسّ الحاجة إلى التزام كفاية قصد القربة في العمل ، دفعا لتوهّم لزوم الإغراء بالجهل من حيث تضمّنه قصد الوجوب فيما ليس بواجب على تقدير اختيار ما يدلّ من المتعارضين على الوجوب ، إذ لا مانع من كون الحكم الظاهري الناشئ من التخيير في الخبرين المتعارضين هو الوجوب. وبعد اختياره والالتزام بالوجوب يترتّب عليه جميع أحكام الوجوب ، ومورد الرواية وإن كان ما يشكّ في وجوبه على وجه الجزئيّة للعبادة ، إلاّ أنّ حكمها يجري في غيره ممّا يشكّ في وجوبه بالاستقلال بالإجماع المركّب والأولويّة القطعيّة.
المسألة الرابعة
في الشبهة الموضوعيّة من الشكّ في التكليف لدوران الأمر بين الوجوب وغير الحرمة ، وليعلم أنّ المراد من الشبهة الموضوعيّة في جميع مسائل هذا الباب هو الشبهة في الحكم الشرعي ، كما أنّ المراد من الشبهة الحكميّة المقابلة لها هو ذلك من غير فرق بينهما إلاّ في جهتين ، الاولى : كون الشبهة في الاولى ناشئة عن اشتباه الموضوع الخارجي كالمائع
__________________
(١) الاحتجاج ٢ : ٣٠٤ ، الوسائل ٤ : ٩٦٧ ، الباب ١٣ من أبواب السجود ، ح ٨.