مثل قول الشافعيّة في الخارج عن السبيلين : الإجماع منعقد على أنّ المحكوم عليه بالطهارة قبل خروج الخارج متطهّر والأصل البقاء على الطهارة حتّى يثبت معارض لها والأصل عدم المعارض (١) » انتهى.
نعم قد تقدّم منه سابقا كلام آخر وهو أنّ خلاف الحنفيّة إنّما هو في الإثبات دون النفي ، وهذا يقضي بكون الاستصحاب في النفي وفاقيّا بين الحنفيّة وأكثر المحقّقين ، إلاّ أنّه لا ينفي أصل الخلاف في النفي أيضا. ونحن بعد جميع اللتيّا والّتي لو سلّمنا الوفاق على الاستصحاب العدمي فإنّما نسلّمه في خصوص عدم التكليف المعبّر عنه بالبراءة الأصليّة ، وهو أيضا محتمل للنفي الأصلي في العبائر المذكورة بناء على كونه اصطلاحا عندهم في البراءة الأصليّة ، ولو تماشينا مع مدّعي خروج العدميّات عن محلّ النزاع زيادة على ذلك لعدّينا إلى الاصول العدميّة المعمولة في باب الألفاظ كعدم النقل وعدم القرينة وما أشبه ذلك ، إن جعلناها من باب الاستصحاب ، وأمّا خروج مطلق العدميّات فكلاّ ، وعليه فيستقيم عدّ التفصيل المذكور قولا في مقابل القول بنفي الحجّيّة مطلقا.
وربّما يشتبه معنى عدم حجّيّة الاستصحاب في الامور الوجوديّة حسبما أراده هذا القائل ، فإمّا أن يراد به أنّ الاستصحاب لا يوجب الحكم ببقاء المستصحب الوجودي وإن قصد به ترتيب أمر عدمي عليه كاستصحاب حياة زيد الغائب لترتيب عدم جواز تزويج امرأته بغيره ، أو يراد به أنّ الأمر الوجودي لا يثبت بالاستصحاب ولو كان من جهة ترتّبه على المستصحب العدمي الّذي يحكم ببقاء عدمه من جهة الاستصحاب كترتّب انتقال مال مورّث زيد الغائب الّذي مات حال غيبته على عدم موته الّذي يحكم ببقائه بالاستصحاب.
وجهان ، أظهرهما الأوّل ، لظهور التعبير بالاستصحاب في الامور العدميّة والامور الوجوديّة والفرق بينهما بحجّيّة الأوّل وعدم حجّيّة الثاني في الفرق بين الاستصحابين في الحجّيّة والعدم بالنسبة إلى المستصحب العدمي والمستصحب الوجودي.
ولعلّ مستند الفرق حسبما رامه القائل هو أنّ ظنّ البقاء بملاحظة الحالة السابقة الّذي عليه مدار حجّيّة الاستصحاب إنّما يتأتّى في الامور العدميّة دون الوجوديّة ، وذلك أنّ العدم لا يتوقّف في ابتدائه ولا استمراره إلى علّة بل يكفي فيه انتفاء علّة الوجود ، فإذا علم عدم شيء في زمان للعلم بانتفاء علّة وجوده فيه ظنّ بملاحظته بقاؤه في الزمان الثاني أيضا ،
__________________
(١) حاشيه شرح مختصر الاصول ٢ : ٢٨٤.