الأخبار للاستصحاب في الأحكام الشرعيّة عين الصواب وليس شبهة واردة على سبيل المغالطة حتّى يحتاج إلى تجشّم الجواب. وليس القول بذلك إبطالا لقول أكثر علمائنا ، لأنّ الّذي أنكره أكثر علمائنا إنّما هو الاستصحاب باعتبار حكم العقل ومن حيث حصول ظنّ البقاء ، غير فارقين في ذلك بين الأحكام ـ كلّية وجزئيّة ـ وموضوعاتها من غير تعرّض أكثرهم ولا سيّما القدماء لما يستنبط من هذه الأخبار. مع أنّه لم يأت في الجواب الأوّل إلاّ ما اشتهر بين النافين لحجّية الاستصحاب ولا في الجواب الثاني إلاّ ما اشتهر بين الأخباريّين من وجوب التوقّف والاحتياط في الشبهات الحكميّة ، فليس شيء من الأمرين ممّا تفرّد به ، ومع ذلك قد عرفت ما فيهما من الضعف.
ومن التفاصيل : الفرق بين استصحاب حال النصّ فالحجّية واستصحاب حال الإجماع فعدمها ، والمعروف بينهم نسبة هذا القول إلى الغزالي (١). ولعلّ منشأ النسبة كلام العلاّمة في النهاية (٢) فإنّه ذكر مسألة الاستصحاب ونسب إلى جماعة منهم الغزالي حجّيته ، ثمّ بعد ما تكلّم في أدلّة النافين والمثبتين ذكر عنوانا آخر لاستصحاب حال الإجماع ، ومثّل له بالمتيمّم إذا رأى الماء في أثناء الصلاة ، والخارج من غير السبيلين من المتطهّر ، ونسب إلى الأكثر ومنهم الغزالي عدم حجّيته.
ولكنّ الّذي يظهر بالتدبّر في كلامه المحكيّ عنه أنّه ينكر الاستصحاب في مطلق ما اختصّ مدلوله بالزمان الأوّل وعدم تناوله الزمان الثاني إجماعا كان أو غيره ، لفظا كان أو لبّا ، وأنّه يعتبر في انسحاب الحكم في غير الزمان الأوّل أيضا دلالة الدليل المثبت له على الدوام مطلقا ، وما لا دلالة عليه فلا يمكن استصحاب مدلوله من دون اختصاص له بالإجماع ، لأنّه على ما نقل حكايته عن العلاّمة في النهاية. قال : المستصحب إنّ أقرّ بأنّه لا يقيم دليلا في المسألة ، بل قال : أنا ناف ولا دليل على النافي ، فسيأتي بيان وجوب الدليل على النافي ، وإن ظنّ إقامة الدليل فقد أخطأ. فإنّا نقول : إنّما يستدام الحكم الّذي دلّ الدليل على دوامه ، فإن كان لفظ الشارع فلا بدّ من بيانه ، فلعلّه يدلّ على دوامه عند عدم الخروج من غير السبيلين لا عند وجوده ، وإن دلّ بعمومه على دوامه عند العدم والوجود معا كان ذلك تمسّكا بالعموم فيجب إظهار دليل التخصيص ، وإن كان بإجماع فالإجماع إنّما انعقد على دوام الصلاة عند العدم دون الوجود ،
__________________
(١) المستصفى ١ : ٢٢٤.
(٢) نهاية الوصول ( مخطوط ) : ٤٠٧ ـ ٤١٢.