على فرض حصوله فعلا.
وحينئذ فنجيب : أنّه ـ بعد فرض كون رفع الحكم مقدورا للمكلّف ، أو توجيهه برفع اليد عن الأحكام المعلّقة على اليقين على معنى عدم ترتيبها ـ يوجب تصرّفا آخر في الروايات بحمل « النقض » على خلاف ظاهره ، وهذا يغني عن التصرّف في لفظ « اليقين » بحمله على الشأني ، لإمكان حمله كالشكّ على الفعلي على الوجه الثالث المتقدّم من اعتبار تعلّق اليقين بالحدوث وتعلّق الشكّ بالبقاء ، ويتمّ معه معنى الحديث من دون أن يستتبع محذورا ولا خروجا عن ظاهر لفظي « اليقين » و « الشكّ » ، فتعيّن الحمل عليه لأصالة الحقيقة ، ولأنّ المنساق عرفا من قوله : « لا ينقض اليقين بالشكّ (١) » بحسب التركيب الكلامي أنّ من طرأه شكّ في شيء بعد اليقين بتحقّقه فحكمه أن لا يلتفت إلى الشكّ الطارئ ، بل يعتبر اليقين ويجري أحكامه ، فيكون معنى الرواية حينئذ إفادة أنّ المدار في ترتّب الأحكام المعلّقة على الشيء على اليقين بحدوث ذلك الشيء وتحقّقه ، ولا يعتبر معه اليقين ببقائه ما لم يحصل اليقين بعدم بقائه. وقوله : « إنّما ينقضه بيقين آخر (٢) » في بعض الأخبار المتقدّمة إشارة إلى ذلك ، بل قوله : « من كان على يقين في شيء فشكّ فليمض على يقينه (٣) » منطبق عليه. وهذا هو معنى ما ذكرناه مرارا من أنّ حاصل معنى « لا ينقض اليقين بالشكّ » إيجاب تنزيل القضيّة المشكوكة منزلة القضيّة المتيقّنة وإجراء أحكامها عليها.
ولا ريب أنّ اليقين بحدوث الشيء ـ الّذي لا يعتبر معه في ترتيب أحكام ذلك الشيء اليقين ببقائه ولا يلتفت معه إلى الشكّ في البقاء ـ أعمّ من اليقين بالوجود المتعقّب للشكّ في البقاء باعتبار الشكّ في المقتضي ، وباعتبار الشكّ في وجود المانع ، وباعتبار الشكّ في مانعيّة الموجود ، فالرواية تعمّ كلاّ من الحكم المغيّا بغاية وغيره ممّا لم يدلّ دليله على استمراره إلى غاية معيّنة.
ومن التفاصيل : ما اختاره المحقّق السبزواري في الذخيرة حيث إنّه في مسألة الماء الكثير المطلق الّذي سلب عنه الإطلاق بممازجة المضاف النجس استدلّ على نجاسته بالاستصحاب.
__________________
(١) الوسائل ٥ : ٣٢١ الباب ١٠ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ح ٣.
(٢) الوسائل ١ : ١٧٤ ـ ١٧٥ الباب ١ من أبواب نواقض الوضوء ، ح ١.
(٣) الوسائل ١ : ١٧٥ الباب ١ من أبواب نواقض الوضوء ، ح ٦.