المطلب الثالث
في أصالة تأخّر الحادث
واعلم أنّ الأصل في هذا العنوان ليس مثله في عنوان قولهم : « أصالة النفي » و « أصالة العدم » مرادا بهما الاستصحاب مضافا إلى المستصحب ، لاستحالة وقوع التأخّر مستصحبا بحيث تيقّن به في وقت وشكّ في بقائه وزواله في وقت آخر ، إذ لا يعقل له زوال إلاّ تبدّله بالتقدّم وهو محال ، فوجب التزام تأويل هنا إمّا بجعل الأصالة بمعنى القاعدة المقتضية للحكم بالتأخّر على ما تيقّن حدوثه وشكّ في بدو زمان حدوثه مع كون مدركها الاستصحاب ، أو جعل معناها على تقدير إرادة الاستصحاب كنظائرها استصحاب يلزمه تأخّر الحادث مع كون مستصحبه غير التأخّر من أمر وجوديّ أو عدميّ.
ومورد هذا الأصل ما لو تيقّن وجود حادث في وقت في الجملة ولم يعلم مبدأ وجوده ، هل هو الزمان المتقدّم أو الزمان المتأخّر الّذي تيقّن وجوده فيه حال الجملة؟ فيفرض له أنحاء ثلاثة من الزمان : زمان اليقين بعدم وجوده فيه ، وزمان اليقين بوجوده فيه ، وزمان الشكّ في وجوده فيه وهو الزمان المتوسّط بينهما ، ومرجعه إلى الشكّ في بقاء العدم الأزلي المتيقّن في الزمان الأوّل وعدمه فيه فيستصحب إلى زمان اليقين بوجوده ، وهذا هو استصحاب الأمر العدمي الّذي لزمه عقلا تأخّر حدوث الحادث المتيقّن وجوده في الزمان الثالث.
ثمّ إنّ الأمر الحادث المتيقّن وجوده قد يتقيّن وجوده في وقت معيّن ويشكّ في وجوده فيما قبله ، ككريّة الماء المتيقّنة يوم الجمعة المشكوكة يوم الخميس مع اليقين بعدمها قبل الخميس ، وموت زيد المتيقّن تحقّقه يوم الجمعة المشكوك في تحقّقه يوم الخميس مع اليقين بعدمه قبل الخميس.
وقد يتقّن وجوده في وقت مردّد بين زمانين ، كالماء إذا علمنا كونه كرّا في أحد اليومين إمّا الخميس أو الجمعة مع زوال كريّته فيما بعده والعلم بعدم كريّته قبل الخميس.
وعلى التقديرين فالأمر الحادث إمّا أن يكون واحدا يشكّ في حدوثه في الزمان المتقدّم أو في الزمان المتأخّر ، أو يكون متعدّدا إذا تيقّن وجود كلّ منهما وكان التحيّر في تقدّم أحدهما على الآخر إذا علم تاريخ وجود أحدهما دون الآخر ، أو في تقدّم كلّ منهما على الآخر إذا جهل تاريخهما ، ككريّة ماء وملاقاته الثوب النجس ، وموت كلّ من المتوارثين في موضع اشتباه المتقدّم منهما والمتأخّر ، واشتباه تقدّم موت المورّث على