المقرّر في فروع مقدّمة الواجب أنّه إذا تعذّر أحد فردي المقدّمة تعيّن الفرد الآخر ، ويصير واجبا معيّنا لا مخيّرا بينه وبين الفرد المتعذّر ، ولعلّه على ذلك مبنى القول بوجوب الائتمام في نحو المقام ، كما عن العلاّمة في الإرشاد قائلا : « والأقرب وجوب الائتمام على الامّي العاجز (١) » ولذا ذكر ولده في الإيضاح في وجهه ـ على ما حكي ـ : « أنّ وجه القرب تمكّنه من صلاة صحيحة القراءة » وقال : « ويحتمل عدمه لعموم نصّين أحدهما : الاكتفاء بما يحسن مع عدم التمكّن من التعلّم ، الثاني : ندبيّة الجماعة ، والأوّل أقوى لأنّه يقوم مقام القراءة اختيارا ، فتعيّن عند الضرورة ، لأنّ كلّ بدل اختياري يجب عينا عند تعذّر مبدله ، وقد بيّن ذلك في الاصول. ويحتمل العدم لأنّ قراءة الإمام مسقطة لوجوب القراءة عن المأموم والتعذّر أيضا مسقط ، فإذا وجد أحد المسقطين للوجوب لم يجب الآخر ، إذ التقدير أنّ كلاّ منهما سبب تامّ والمنشأ أنّ قراءة الإمام بدل أو مسقط (٢) » انتهى.
ومن مشايخنا (٣) من ذكر في المقام أنّ صلاة الجماعة فرد من الصلاة الواجبة فتتّصف بالوجوب لا محالة ، واتّصافها بالاستحباب من باب أفضل فردي الواجب ، فيختصّ بما إذا تمكّن المكلّف من غيره ، فإذا عجز تعيّن وخرج عن الاستحباب ، كما إذا منعه مانع آخر عن الصلاة منفردا.
لكن يمكن منع تحقّق العجز فيما نحن فيه ، فإنّه يتمكّن من الصلاة منفردا بلا قراءة ، لسقوطها عنه بالعذر كسقوطها بالائتمام ، فتعيين أحد المسقطين يحتاج إلى دليل.
أقول : الاولى أن يقال : إنّ أحد المسقطين إذا كان اضطراريّا سقط به اعتبار المسقط الاختياري ، على أنّ إطلاق المسقط عليه حينئذ مسامحة ، لاستناد السقوط في الحقيقة إلى العذر لتقدّمه على الائتمام ، فهو على تقدير حصوله لم يكن مسقطا جزما لتعذّر تحصيل الحاصل.
وثانيهما : أنّه قد عرفت بما لا مزيد عليه أنّ أصل البراءة بموضوعه ناطق بأن لا تعرّض فيه للواقع بنفي ولا إثبات ، فهو بهذا الاعتبار قاصر عن نفي كون الحكم المجعول للواقعة من حيث هي هو الوجوب ، وكما أنّه قاصر عن نفي ذلك فكذلك قاصر عن إثبات كون حكمها المجعول من هذه الحيثيّة هو الاستحباب فيما دار الأمر بينه وبين الوجوب ، أو الإباحة فيما دار الأمر بينها وبين الوجوب ، أو الكراهة فيما دار الأمر بينها وبين الوجوب ،
__________________
(١) لم نجده في الإرشاد ولعلّه سهو من قلمه الشريف ، ولكن العبارة موجودة في القواعد ١ : ٣١٨ ، وفيه ( بالعارف ) بدل ( العاجز )
(٢) إيضاح الفوائد ١ : ١٥٤. (٣) إيضاح الفوائد ١ : ١٥٤.