مع فرض زواله بسريان الشكّ إليه إلاّ بعد إحراز أحد الأمرين ، ليس شيء منها بشيء :
أحدهما : تقدير تحقّق المعتقد في زمن الشكّ ، بأن يقال : إنّ الأعمال الماضية لكونها محمولة على الصحّة تكشف صحّتها عن تحقّق ما هو شرط في صحّتها في الواقع ، وإذا تحقّق المعتقد في الواقع يترتّب عليه كلّما هو مشروط به ، ومن جملة ذلك الأعمال المستقبلة ، فيحكم بوقوعها صحيحة أيضا لوقوع ما هو شرط في صحّتها في الواقع.
وثانيهما : تقدير كون الاعتقاد بذلك المعتقد المفروض حصوله في السابق صحيحا بحمله على الصحّة كفعل المسلم ، بأن يقال : إنّ أفعال المسلم كما أنّها محمولة على الصحّة فكذلك اعتقاداته ، فيكون الأعمال المستقبلة صحيحة لترتّبها على المعتقد بالاعتقاد الصحيح الثابت صحّته بالقاعدة المقتضية لصحّة الفعل.
وأنت خبير بما فيهما من التكلّف مع وضوح فسادهما.
أمّا الوجه الأوّل : فلأنّ غاية ما في الأعمال الماضية ترتّب الأحكام عليها دون تحقّق المعتقد ووقوعه في الواقع ، فإنّها إنّما يحكم بصحّتها لذواتها للقاعدة المشار إليها من جهة أنّها أعمال وقع الشكّ في صحّتها بعد الفراغ ، وهي لا توجب تحقّق المعتقد في الواقع لكونه ملزوما للصحّة ، والملزوم لا يثبت بمجرّد ثبوت اللازم إلاّ على القول بالاصول المثبتة الغير المعمول بها عندنا.
وأمّا الوجه الثاني : فلأنّ أصالة الصحّة على فرض جريانها في الاعتقادات إنّما يقضي بصحّة نفس الاعتقاد ولو في الواقع وهي لا توجب استمرار المعتقد ، وصحّة الأعمال مترتّبة على ثبوت المعتقد حين وقوعها لا على صحّة الاعتقاد وإن لم يكن حاصلا إلاّ على سبيل الفرض والتقدير.
المطلب الثالث عشر
في جواز العمل بالاستصحاب في مورد العموم الأزماني وعدمه.
واعلم أنّ الدليل الاجتهادي كما أنّه قد يكون عامّا بحسب الأفراد كقوله : « أكرم العلماء » فكذلك قد يكون عامّا بحسب الأزمان ، ومعناه كون دليل الحكم في دلالته عليه بحيث لو خلّي وطبعه كان دالاّ على ثبوته في جميع الأزمان ، ودلالته عليه ما يسمّى بالعموم الأزماني.
وحينئذ نقول : إنّ الدليل الدالّ على الحكم في الزمان السابق إمّا أن يكون دالاّ على