هذه الشريعة ومعه لا معنى لاستصحابه.
ويمكن دفعها أيضا : بأنّ استمرار حكم من زمان إلى غيره من الأزمنة المتأخّرة لا يقتضي بالنسبة إلى كلّ زمان جعلا على حدة لينفي احتمال حدوثه بالأصل ، بل يكفي فيه الجعل الأوّل فلا يبقى إلاّ احتمال النسخ ، والأصل والاستصحاب ينفيانه ، هذا.
ولكنّ الإنصاف : أنّ التعويل على استصحاب أحكام الشرع السابق إنّما يصحّ ما لم يظهر شرع لا حق ناسخ للشرع السابق ولو في الجملة. وأمّا بعد ظهوره وانتشاره واستقرار أحكامه فالتعويل على استصحاب أحكام الشرع السابق مشكل ، لأنّ مبنى العمل بالاستصحاب إن كان على طريقة القدماء الّتي مدركها بناء العقلاء فثبوته في محلّ البحث غير معلوم بل المعلوم خلافه لما نرى من استقرار بنائهم على عدم الرجوع إلى الشرع السابق بعد ظهور الشرع اللاحق الناسخ للشرع السابق ، وإن كان على الأخبار الناهية عن نقض اليقين بالشكّ فمفادها وإن كان حكما ظاهريّا مجعولا للشاكّ بعد اليقين ، لكن شمول هذا الحكم الظاهري لما كان المشكوك فيه من أحكام الشرع السابق غير واضح ، لانصراف الأخبار إلى اليقين والشكّ في أحكام هذه الشريعة الّتي أتى بها صادقها صلىاللهعليهوآله هذا ، ولكنّ المسألة بعد لم يصف ويحتاج إلى تأمّل آخر.
ثمّ إنّ جماعة رتّبوا على إبقاء أحكام الشرع السابق في موضع الشكّ ـ تبعا لثاني الشهيدين ـ فروعا مخدوشة ، أوردها شيخنا قدسسره مع ما يخدشها في رسالته الاستصحابيّة (١).
خاتمة : قد ظهر من تضاعيف المسألة أنّه يشترط في الاستصحاب أمران : اليقين السابق والشكّ اللاحق ، وهذان يعتبران في جريان الاستصحاب لا في اعتباره ، فما فقد أحدهما خارج عن موضوعه لا عن حكمه بالتخصيص ، ولذا يعبّر عنهما بركني الاستصحاب.
وقد ذكر بعضهم له شروطا آخر : بقاء الموضوع ، وعدم المعارض ، والفحص عن الدليل الاجتهادي. فإن اريد كونها شروطا لاعتباره بدعوى خروج الاستصحاب الجاري عن عموم الأخبار بالمخصّص ، كما خرج الاستصحاب في نحو الشكّ في الثلاث والأربع بل مطلق الشكّ في عدد الركعات المقتضي للبناء فيها على الأقلّ الخارج من العموم بدليل البناء على الأكثر من باب التخصيص ، ففيه : منع واضح لعدم جريانه بدونها.
وإن اريد به كونها شروطا لجريانه ، فهو وإن صحّ إلاّ أنّ مرجعها إلى ما تقدّم من ركني
__________________
(١) فرائد الاصول ٣ : ٢٢٩ ـ ٢٣٢.