الاستصحاب ، لأنّ الضابط في جريان الاستصحاب ـ على ما بيّناه مرارا ـ هو الشكّ في بقاء الشيء بعد اليقين بوجوده ، وما لم يكن موضوعه باقيا لم يكن بقاؤه مشكوكا ، بل المشكوك فيه حدوثه لموضوع آخر ولزمه انتفاء اليقين السابق ، ولو لا عدم المعارض أو الفحص عن الدليل الاجتهادي المحتمل وجوده لم يحرز الشكّ ، بحيث لو لا البناء على مقتضى الحالة السابقة لزم نقض اليقين بالشكّ.
نعم يمكن أن يجعل من شروط اعتبار الاستصحاب عدم تعلّق شكّه بعدد ركعات الصلاة مثلا ، فإنّ الاستصحاب حينئذ وإن كان جاريا غير أنّه لا يعمل به ، عملا بما دلّ على وجوب البناء على الأكثر المخصّص لعمومات الأخبار الدالّة عليه ، وإن كان قد يقال عليه : بأنّ ذلك أيضا ليس شرطا آخر وراء الشكّ اللاحق ، لأنّ البناء على الأكثر ليس نقضا لليقين بالشكّ بل هو نقض اليقين باليقين ، بناء على أنّه أعمّ من اليقين الوجداني واليقين التعبّدي ، والقاعدة المستفادة من دليل البناء على الأكثر يقين تعبّدي ، فتأمّل.
وكيف كان فنحن نتكلّم في الامور المذكورة على تقدير كونها شروطا ولو باعتبار رجوعها إلى ركني الاستصحاب ، فلابدّ من التكلّم في مباحث :
المبحث الأوّل
في اشتراط الاستصحاب ببقاء موضوع المستصحب.
واعلم أنّ المراد بالموضوع هنا معروض الحكم بسيطا كان أو مركّبا من الأجزاء الخارجيّة ، كالوضوء الّذي هو عبارة عن غسلتين ومسحتين. أو من الأجزاء العقليّة كالماء المتغيّر إذا اخذ بوصف التغيّر معروضا للنجاسة ، والمجتهد الحيّ إذا اخذ بقيد الحياة معروضا لحجّية فتاويه ، فيعتبر بقاء معروض الحكم على الوجه الّذي عرضه الحكم ، على معنى بقائه بجميع ما اعتبر معه من الأجزاء الخارجيّة والأجزاء العقليّة الّتي هي القيود فيما لو كان مقيّدا اخذ بوصف التقييد ، فلو انتفى معروض الحكم بنفسه أو انتفى بعض أجزائه أو أحد قيوده لم يكن الموضوع باقيا ، ومعنى بقائه حينئذ كون الموضوع في القضيّة المشكوكة في الزمان اللاحق بعينه هو الموضوع في القضيّة المتيقّنة في الزمان السابق ، بحيث لو فرض الحكم في القضيّة المشكوكة مخالفا للحكم في القضيّة المتيقّنة في الايجاب والسلب مع وحدة زمانيهما لزم التناقض كـ « زيد حيّ » و « عمرو موجود » و « بكر