ملاقاته ، وهو غير متبدّل لأنّه عبارة عن القدر الجامع بين الجزئيّات المتمايزة بصورها النوعيّة أو أحوالها العارضة.
ولا ينافيه ما قوّيناه في الفقه (١) من كون الاستحالة مطهّرة للمتنجّسات أيضا ، كالخشب المتنجّس إذا صار رمادا ، خلافا لمن منع ذلك من المتأخّرين تمسّكا بالاستصحاب من حيث إنّ نجاسة المتنجّسات ليست لصورها النوعيّة بل لأنّها أجسام ملاقية للنجاسة ، فالموضوع الّذي مناطه الجسميّة باق على حاله وإن زال عنه الصورة النوعيّة كالخشبيّة ، فيمكن استصحاب نجاسته.
لأنّ معروض النجاسة هو هذا الخشب بعنوانه الشخصي وهو الموضوع لا غير وقد تبدّل بالاستحالة بشخص آخر من ماهيّة اخرى ، وأحد جزئيه وهو الخشبيّة المنطبقة على الصورة النوعيّة غير باق ، فلا يلزم من نجاسته نجاسة الباقي لمجرّد الجسميّة المشتركة بينهما ، فإن لم يكن ذلك ممّا قطع بعدم بقاء الموضوع فلا أقلّ من كونه من المشكوك ، ومرجعه إلى الشكّ في موضوعيّة الباقي ولا يعقل معه الاستصحاب لعدم وحدة قضيّتي المتيقّن والمشكوك ، ولذا لا يصحّ أن يقال ـ إشارة إلى الشخص الباقي ـ : « هذا كان نجسا ».
المبحث الثاني
في اشتراط عدم معارض للاستصحاب ، ولقد عرفت أنّه أيضا من مقوّمات الاستصحاب ، إذ لو لاه لما كان الاستصحاب جاريا ، فعدّه من الشروط لا وجه له إلاّ مسامحة.
وكيف كان فالبحث من جهة اشتراط عدم المعارض يقع تارة في مقابلة الاستصحاب للأدلّة الاجتهاديّة ، واخرى في مقابلته للأدلّة الفقاهيّة غير الاستصحاب ، والأولى أن يقال : في مقابلته لسائر الاصول غير الاستصحاب سواء كانت من الاصول العمليّة كأصل البراءة وأصالة الاشتغال وأصالة التخيير ، أو من الأمارات أو الاصول المعمولة لتشخيص الموضوعات الخارجيّة ، كاليد وأصالة الصحّة وما أشبههما ، وثالثة في مقابلته لاستصحاب آخر الّتي يعبّر عنها بتعارض الاستصحابين. وقبل الخوض في المقامات الثلاث ينبغي التعرّض لبيان الفرق بين الأدلّة الاجتهاديّة والأدلّة الفقاهيّة.
__________________
(١) كما في كتابه الكبير في الفقه المسمّى ب « ينابيع الأحكام في معرفة الحلال من الحرام » نسأل الله تعالى أن يوفّقنا لإعداد هذا التراث الفقهي الكبير إن شاء الله.