ووجه التوسّع : أنّها قواعد مستنبطة من الأدلّة ووصفها بالفقاهة باعتبار كونها أحكاما فعليّة في موضوعاتها علمت من أدلّتها المفيدة للعلم.
وقد يقال : إنّ ما نصبه الشارع إن كان غير ناظر إلى الواقع أو كان ناظرا إليه ولكن فرض أنّ الشارع اعتبره لا من هذه الحيثيّة بل من حيث مجرّد احتمال مطابقته للواقع فهو من الاصول ، وإن كان بعضها مقدّما على البعض الآخر ، والظاهر أنّ الاستصحاب والقرعة من هذا القبيل ، والمراد بالاصول المفروض مقابلتها للاستصحاب في المقام الثاني إنّما هو هذا المعنى.
وكيف كان ، فالمقام الأوّل : في مقابلة الاستصحاب للدليل الاجتهادي ، والمراد بمقابلته إيّاه أن يقتضي الدليل الاجتهادي عدم بقاء ما اقتضى الاستصحاب بقاءه ، وحيث إنّ الدليل ما كان معمولا في الأحكام والاستصحاب كثيرا مّا يكون في الموضوعات فالأولى أن يراد من الأدلّة في هذا المقام ما يعمّ الأمارات المعمولة في الموضوعات ، ليعمّ البحث في المقام البيّنة المقتضية لنجاسة ثوب يقتضي الاستصحاب طهارته.
وعلى أيّ حال كان فالدليل الاجتهادي إن كان ممّا يفيد العلم فهو مقدّم على الاستصحاب من باب التخصّص الّذي قد يعبّر عنه بالورود ، وهو خروج المورد بقيامه عن موضوع الاستصحاب المأخوذ فيه الشكّ ، إذ مع الدليل العلمي لا شكّ فلا استصحاب في الحقيقة ، وإن كان ممّا يفيد الظنّ فلا إشكال في تقدّمه أيضا على الاستصحاب والظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه ، بل عن الفاضل التوني (١) الإجماع عليه ، ووجهه أنّ الاستصحاب أصل تعليقي اخذ في مورده عدم دليل ولا أمارة على خلاف الحالة السابقة.
والعجب من بعض الأعلام (٢) لما يظهر منه من زعم كون الاستصحاب من جملة الأدلّة ، فقد يرجّح عليه الدليل ، وقد يرجّح على الدليل ، وقد لا يرجّح أحدهما على الآخر. وفيه ما فيه.
وأعجب منه استشهاده لما زعمه بما ذكره بعضهم في مال المفقود من أنّه في حكم ماله حتّى يحصل العلم العادي بموته استصحابا لحياته ، مع وجود الروايات المعتبرة المعمول بها عند بعضهم بل عند جمع من المحقّقين الدالّة على وجوب الفحص أربع سنين.
وفيه : أنّ المقابل للاستصحاب بالمعنى المبحوث عنه أمارة قامت بموت المفقود في
__________________
(١) الوافية : ٢٠٨.
(٢) القوانين ٢ : ٧٥.