وفيه : منع تساقط الأصلين لعدم تعارض بينهما إلاّ بحسب الصورة ، فإنّ أصالة الصحّة لا تجري إلاّ ولزمها خروج الاستصحاب الموضوعي من عموم دليل الحجّية ، كما أنّ الاستصحاب الموضوعي لا يجري إلاّ ولزمه ارتفاع موضوع أصالة الصحّة لمكان سببيّة شكّه.
وعلى التقديرين لا معنى للتساقط المبنيّ على التعارض الواقعي ، ومن ذلك ظهر ما عن المحقّق الثاني في شرح عبارة العلاّمة حيث إنّ العلاّمة في مسألة اختلاف المتبايعين بادّعاء البائع عدم البلوغ حال البيع قال : « فيه وجهان ».
وقال المحقّق في شرحه : « من أصالة حمل فعل المسلم على الصحّة ومن أصالة عدم البلوغ (١) » فإنّ الأصلين لا يجريان معا لاستلزام جريان أحدهما عدم جريان الآخر فلا يصحّ الاستناد إليهما معا ، وحيث إنّ الاستصحاب كان يقتضي فساد العمل ، فأصالة الصحّة مكانه يقتضي الصحّة ، على معنى ترتّب الآثار الشرعيّة المعلّقة على العمل الصحيح بوصف الصحّة من النقل والانتقال والملكيّة واشتغال الذمّة وبراءتها ، ولا يثبت بها ما زاد عليها من الآثار العقليّة الّتي يتوقّف عليها الصحّة وترتّب الآثار الشرعيّة كالبلوغ ونحوه ، ليجري عليه سائر الآثار المتوقّفة على البلوغ الغير المترتّبة على ذلك العمل ولا على صحّته ، كصيرورته وصيّا أو متوليّا على الوقف إذا علّق الإيصاء إليه أو توليته على بلوغه. فلو اختلف الموجر والمستأجر في صحّة عقد الإجارة وفساده فادّعى المستأجر عدم تعيين مال الإجارة وادّعى الموجر تعيينه وكونه مائة ، أو اختلف المتبايعان في كون الثمن خمرا أو خلاّ فادّعى أحدهما كونه خمرا ليفسد العقد ، فغاية ما يقتضيه أصالة الصحّة إنّما هو حصول ملكيّة المنفعة وملكيّة المثمن. وأمّا مقدار الثمن أو جنسه فيحتاج إثباته إلى طريق آخر من بيّنة ونحوها.
وقد يراد من أصالة الصحّة المقابلة للاستصحاب ما يجري في عمل المكلّف نفسه ، كما في مورد الشكّ بعد الفراغ أو في أثناء العمل بعد تجاوز محلّ المشكوك فيه ، فإنّ الأصل عدم الإتيان بالمشكوك فيه جزءا وشرطا. والقاعدة المستفادة من الأخبار العامّة والخاصّة يقتضي البناء على الصحّة ، وهي أيضا من الاصول التعبّديّة ولا إشكال في تقديمها على الاستصحاب تخصيصا لدليله بأدلّتها.
أمّا في مسألة الشكّ بعد الفراغ فمطلقا وأمّا في مسألة الشكّ بعد تجاوز المحلّ ففي الجملة ، للإجماع على أنّ الشاكّ في فعل من أفعال الوضوء قبل إتمام الوضوء يأتي به
__________________
(١) جامع المقاصد ٥ : ٣١٥ نقلا بالمعنى.