باعتبار الخلاف في المسألة.
وأمّا القسم الثالث وهو ما كان الشكّ في كلّ منهما مسبّبا عن الشكّ في الآخر فممّا ينبغي القطع ببطلانه ، لاستحالة تقدّم الشيء على نفسه ، خلافا لمن تخيّل جوازه ومثّل له بالعامّين من وجه لمعارضة أصالة العموم في كلّ منهما لمثلها في الآخر مع كون الشكّ في كلّ مسبّبا عنه في الآخر.
وفيه : أنّ الشكّ في كلّ منهما مسبّب عن العلم الإجمالي بتخصيص أحد العامّين ، فلا يدرى في نحو « أكرم العلماء » و « لا تكرم الفسّاق » هل اريد العموم من الأوّل والخصوص من الثاني أو بالعكس.
ورابعة من جهة المستصحب إلى موضوعيّين أو حكميّين أو مختلفين.
وخامسة من جهته أيضا إلى وجوديّين أو عدميّين أو مختلفين.
ولا يخفى أنّ أكثر هذه الأقسام متداخلة كما يظهر بالتأمّل في الأمثلة ، بل التعرّض للتقسيمات المذكورة جري على ما ذكر في المقام ، وإلاّ فلا يترتّب على أكثرها فائدة ، بل الفائدة المطلوبة من تعارض الاستصحابين إنّما تحصل في قسمي التقسيم الثالث ، فنقتصر على البحث عن حكميهما ، سواء كان تعارض الاستصحابين لذاتهما أو بواسطة أمر خارج ، في موضوعين أو في موضوع واحد ، وسواء كانا موضوعيّين أو حكميّين أو مختلفين ، وجوديّين أو عدميّين أو مختلفين ، فيقع البحث المذكور في مقامين :
المقام الأوّل : فيما كان الشكّ في أحدهما سببا للآخر ، فالوجه فيه لزوم تقديم الشكّ السببي ورفع اليد عن الحالة السابقة في جانب الشكّ المسبّبي ، سواء على القول بالاستصحاب من باب الظنّ بالبقاء ، أو على القول به تعبّدا من جهة الأخبار.
أمّا الأوّل : فلأنّ قضيّة سببيّة الشكّ السببي دوام حصول ظنّ البقاء في جانبه دون جانب الشكّ المسبّبي.
أمّا أوّلا : فبالوجدان الغنيّ عن البيان ، فمن أنكره فقد كابر وجدانه.
وأمّا ثانيا فبالبرهان وبيانه : أنّ ظنّ البقاء إمّا أن يحصل في جانب السبب أو في جانب المسبّب أو في جانبيهما ، ولا سبيل إلى الأخير لأنّ قضيّة سببيّة الشكّ السببي لزوم الحالة السابقة في جانبه لنقيض الحالة السابقة في جانب المسبّب ، والظنّ بالملزوم يستلزم الظنّ باللازم ، ومعناه استلزام الظنّ ببقاء الحالة السابقة في جانب السبب للظنّ بعدم بقائها في