الاجتهاديّة ، غير أنّ هذه الطريقة على ما عرفت غير تامّة.
وإن كانت من الظنون الغير المعتبرة فهي لا تنهض للترجيح كما لا تنهض للدليل ، مع أنّها لكونها ناظرة إلى الواقع لا يوافق مؤدّاها للاستصحاب الّذي هو حكم ظاهري ، فلا تصلح للترجيح لوجوب اتّحاد مدلولي المرجّح والمرجّح.
وبالجملة الاستصحاب المأخوذ من الأخبار يقضي بكون المستصحب أو الأثر المترتّب عليه حكما ظاهريّا اخذ في موضوعه الجهل بالواقع ، والمرجّح الظنّي يقضي بكونه حكما واقعيّا اخذ في موضوعه الواقعة من حيث هي ، ومن الظاهر تغاير الحكمين فلا يتأكّد ولا يتقوّى أحدهما بالآخر ، ولذا لو كان هذا المرجّح من الظنون المعتبرة خصوصا أو عموما ارتفع بوجوده موضوع الحكم الظاهري.
وأمّا الثاني : فلأنّ الأصل العملي الّذي يرجع إليه للترجيح لا يخلو من كونه بحسب الرتبة مقدّما على الاستصحاب فيكون مزيلا له ، فلا مجرى معه لشيء من الاستصحابين ليكون مرجّحا لأحدهما أو مؤخّرا عنه فلا يصلح لكونه مرجّحا مع وجود ما هو مقدّم عليه ، كما لا يصلح لكونه دليلا معه ، نظير أصالة الإباحة والبراءة في مقابلة الدليلين الاجتهاديّين المتعارضين. ومرجعه إلى ما ذكرناه مرارا من أنّ الأصل العملي كما لا يعارض الدليل فكذلك لا يعاضده.
أو مقارنا له على معنى كونه مساويا للمتعارضين من حيث الاعتبار والحجّية ، فهو من حيث كونه في عرض الاستصحابين بل من سنخهما ـ على معنى استصحاب ثالث موافق لأحدهما إذ لا يعقل مساواته لهما في الرتبة إلاّ على هذا التقدير ـ تابع لما يوافقه منهما في الحكم ، والمفروض عدم إمكان العمل بذلك من جهة التعارض فكذلك ذلك المساوي الموافق له ، ومجرّد كونه معه وموافقته له لا يوجب قوّة فيه أصلا.
لا يقال : إنّ الأمر حينئذ بالنسبة إلى عمومات الاستصحاب دائر بين تخصيص الأكثر وتخصيص الأقلّ ، لدورانه بين طرح الاستصحابين المتوافقين وإخراجهما من العمومات وطرح الاستصحاب المخالف لهما وإخراجه عنها ، ومن البيّن أولويّة الثاني تقليلا للتخصيص المخالف للأصل ، وهو المراد من ترجيح أحد المتعارضين بالأصل الثالث الموافق لأحدهما المساوي لهما في مرتبة الاعتبار.
لأنّا نقول : إنّ أولوية تخصيص الأقلّ إنّما هي حيث كان الأقلّ مندرجا في الأكثر ، كما