( قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً )(١) وقوله عزّ وجلّ أيضا : ( وَما لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ )(٢) ردّا في الآية الاولى على اليهود فيما حرّموه ممّا رزقهم الله افتراء عليه ، بالاستدلال على إبطال الحكم بحرمة ما حرّموه بعدم وجدانه فيما اوحى إليه من المحرّمات ، فيدلّ على كفاية عدم الوجدان بعد الفحص وملاحظة الأدلّة في الحكم بعدم الحرمة.
والمناقشة فيه : بأنّ عدم وجدانه صلىاللهعليهوآله نفس عدم الوجود ، فهو المستدلّ به لا مجرّد عدم الوجدان.
يدفعها : أنّ الأمر في نفس الأمر وإن كان كما ذكر ، إلاّ أنّ ظاهر الآية كون مناط الاستدلال هو عدم الوجدان لا غير وهو الحجّة.
ودلّت الثانية على المنع من التزام ترك شيء بمجرّد عدم وجوده فيما فصّل من المحرّمات ، ويندرج فيه التزام ترك مشتبه الحكم فيما لا نصّ فيه لمجرّد الاحتياط.
ويرد على الأوّل : أنّ إبطال الحكم بالحرمة فيما لم يوجد فيه نصّ لا يلازم تصحيح الحكم بعدم الحرمة ، لإمكان الواسطة وهو الوقف عن الحكم خصوصا وعموما في الفتوى والتزام الاحتياط في العمل. فما قيل : من أنّ في الآية إشارة إلى المطلب ـ مثل ما في الوافية (٣) ـ من أنّ فيها إشعارا بأنّ إباحة الأشياء قبل الشرع مركوزة في العقل ، ليس على ما ينبغي للمنع من ذلك أيضا.
وقد يقرّر وجه الدلالة : بأنّه صلىاللهعليهوآله ردّ على المشركين في تحريمهم بعض المباحات ، بأنّ الذّي أوحى تحريمه إليه هو أشياء مخصوصة ، فلا بدّ أن يكون باقي الأشياء ممّا لم يوح إليه تحريمه مباحا ، فيظهر منه أنّ التحريم هو المحتاج إلى الدليل الّذي هو الوحي ، وأمّا الإباحة فيكفيها عدم وحي التحريم ، وليس المراد بأصالة الإباحة إلاّ هذا.
وفيه : أنّ حصر المحرّم الّذي يوحى إليه تحريمه في الأشياء المخصوصة يدلّ على نفي التحريم عمّا عداها ، ولا يدلّ على كون مستند النفي هو مجرّد عدم وحي التحريم ، فيجوز كونه وحي عدم التحريم ـ أعني وحي الإباحة ـ فإنّ الموصول فيما اوحي عامّ يتناول المحرّم والمباح ، ومن الجائز اشتمال ما اوحي إليه صلىاللهعليهوآله على محرّمات ومباحات ، وإذا لم يكن ممّا حرّموه من القسم الأوّل فلا جرم كان من القسم الثاني ، وهذا يفيد الإباحة الواقعيّة وهذا إنّما يتمّ فيما تردّد بين ما علم حرمته بالوحي وما علم اباحته بالوحي أيضا
__________________
(١) الأنعام : ١٤٥.
(٢) الأنعام : ١١٩.
(٣) الوافية : ١٨٦.