الطائفة الثالثة
أخبار التثليث الّتي منها ما تقدّم في أخبار التوقّف من رواية جميل عن الصادق عليهالسلام عن آبائه عليهمالسلام : عن رسول الله صلىاللهعليهوآله وعمدتها ما في مقبولة عمر بن حنظلة عند بيان الترجيح بالشهرة من قوله عليهالسلام : « ينظر إلى ما كان من روايتهم عنّا في ذلك الّذي حكما به المجمع عليه بين أصحابك ، فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذّ الّذي ليس بمشهور عند أصحابك ، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه ، وإنّما الامور ثلاثة أمر بيّن رشده فيتّبع ، وأمر بيّن غيّه فيجتنب وأمر مشكل يردّ علمه ( حكمه ـ خ ل ) إلى الله ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : حلال بيّن وحرام بيّن وشبهات بين ذلك ، فمن ترك الشبهات نجى من المحرّمات ، ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرّمات وهلك من حيث لا يعلم (١).
وقد اختلف في بيان وجه الدلالة ، فمن مشايخنا (٢) من قرّره بما محصّله : أنّ الخبر الشاذّ الّذي أمر الإمام عليهالسلام بتركه ـ بعد ما أمر بتقديم المجمع عليه تعليلا بأنّه لا ريب فيه ـ هو الّذي فيه ريب ، فيكون من الأمر المشكل الّذي أوجب الإمام ردّه إلى الله. وإلى ذلك أشار بعض الأعلام في بيان سؤال أورده على نفسه بقوله : « فإنّ تعليل الإمام عليهالسلام تقديم المجمع عليه بأنّه لا ريب فيه وبأنّ الشاذّ النادر من الأمر المشكل الّذي لا يجوز القول به ويجب ردّه إلى الله ورسوله ، يدلّ على وجوب ترك الشبهات (٣) ».
أقول : وكأنّ وجه دلالته على وجوب تركها أنّ الإمام عليهالسلام في إيجابه ردّ الأمر المشكل إلى الله ورسوله استشهد بكلام رسول الله في تثليثه الامور ، وجعله الثالث شبهات بين ذلك يلزم من الأخذ بها ارتكاب المحرّمات ، وهذه هي القسم الثالث الّذي عبّر عنه الإمام عليهالسلام بالأمر المشكل ، وأوجب ردّه إلى الله ، ومن الواضح وجوب مطابقة الشاهد للمشهود له ، فلو لا ترك الشبهات واجبا لم يطابق الشاهد المشهود له.
ومن الأعلام من قرّر الاستدلال ـ قبل ما نقلناه عنه ـ بأنّ من الأشياء ما يجوز فعله لقيام دليل معتبر عليه ، ومنها ما لا يجوز فعله كذلك ، ومنها ما يحتمل الأمرين إمّا لعدم بلوغ دليله إلينا ، أو للإجمال والاشتباه في الدليل ، فمن ترك الشبهات ـ يعني جميعها ـ نجى من المحرّمات ، أي ما هو حرام في الواقع ، ومن أخذ بها ـ أي بجميعها ـ ارتكب المحرّمات لوجودها فيها جزما ، لأخبار المعصومين عليهمالسلام أو للعلم العادي بذلك ، أو المراد مجاز
__________________
(١) الكافي ١ : ٦٨ ، ح ١٠.
(٢) فرائد الاصول ٢ : ٨٣.
(٣) القوانين ٢ : ٢٣.