تقاديرها محلّ منع وفي البعض الآخر غير مجدية.
وتوضيحه : أنّ الأخذ بالشبهات إمّا أن يحمل على الأخذ بجميعها على حدّ العموم المجموعي ، أو على الأخذ بكلّ واحد منها على حدّ العموم الأفرادي ، وعلى الثاني فالملازمة الواقعيّة بينه وبين ارتكاب المحرّمات إمّا أن تكون دائميّة أو تكون غالبيّة أو تكون أحيانيّه.
والملازمة في الأوّل وإن كانت مسلّمة ، لوضوح أنّ الأخذ بجميع الشبهات يلازم ارتكاب محرّم واقعي لا محالة ، إلاّ أنّه لا يصلح جهة للمنع عن الارتكاب ، كما لا يصلح لها على مذاق الخصم في الشبهات الموضوعيّة ، فإنّ ارتكابها كذلك يلازم ارتكاب محرّمات واقعيّة لا محالة بالبداهة ، وهو ملغى في نظر الخصم ولا يؤثّر في منع الارتكاب.
وهي في الوجه الثاني ممنوعة ، ولا يسوغ تنزيل الرواية عليها صونا لها عن وصمة الكذب ، كما أنّها في الوجه [ الثالث ](١) أيضا ممنوعة ، وإنّما يلزم غلبة ارتكاب المحرّمات الواقعيّة لو دخلت الشبهات الموضوعيّة أيضا في الرواية ، ومفروض كلام الخصم خروجها ، والشبهات الحكميّة التحريميّة بأنفسها في غاية القلّة ، ولا يلازم الأخذ بها بمجرّدها غلبة ارتكاب المحرمات.
وهي في الوجه الرابع مسلّمة إلاّ أنّ الهلاك في قوله : « وهلك من حيث لا يعلم » إمّا أن يراد به الهلاك الاخروي أعني العقاب ، أو الهلاك الدنيوي الّذي يترتّب على فعل المحرّم الواقعي من باب الخاصيّة كسميّة السمّ ونحوها ، والأوّل ممّا لا يجوز تنزيل الرواية عليه لقبح العقاب عقلا على مخالفة الحرمة الواقعيّة المجهولة ، والثانية مسلّم إلاّ أنّه أيضا لا يصلح جهة للمنع عن الارتكاب ، كما لا يصلح لها في الموضوعات الخارجيّة على رأي الخصم ، فلا دلالة للرواية في شيء من وجوهها على وجوب اجتناب الشبهات وحرمة ارتكابها ، بل غاية ما يسلّم إنّما هو الدلالة على أولويّة الاجتناب ولا كلام فيها.
وأمّا العقل : فيقرّر بوجهين :
أحدهما : أصل الاشتغال الّذي هو أصل عقلي يجري فيما علم اشتغال الذمّة وشكّ في البراءة ، لاستقلال العقل بأنّ الاشتغال اليقيني يستدعي يقين البراءة باتّفاق من المجتهدين والأخباريّين ، وأمّا صغرى هذا الأصل فلأنّا قبل مراجعة الأدلّة الشرعيّة علمنا إجمالا
__________________
(١) وفي الأصل : « الثاني » وهو سهو منه قدس سرّه والصواب ما أثبتناه في المتن.