مخصوص بها ، وإنّما الكلام في معنى ذلك الأصل ومدركه ، ولا يخلو عن إشكال بل الإشكال فيه قويّ ، وإن كان قد يوجّه احتمالا بإرادة أصالة حرمة اللحم الثابتة في حال الحياة على معنى استصحابها.
ويزيّفه ـ بعد فرض قبول هذا الحيوان للتذكية ووقوعها عليه ـ : أنّ الحرمة العرضيّة الثابتة حال الحياة مرتفعة بالتذكية ، والحرمة الذاتيّة من أوّل الأمر غير ثابتة ، فعلى الأوّل لا شكّ وعلى الثاني لا يقين.
وقد يوجّه أيضا ـ كما عن شارح الروضة (١) بأنّ كلاّ من النجاسات والمحلّلات محصورة ، فإذا لم يدخل في المحصور منها كان الأصل طهارته وحرمة لحمه.
وكأنّه مأخوذ عمّا ذكره في تمهيد القواعد (٢) ـ على ما حكي ـ من أنّ المحرّم غير منحصر لكثرته على وجه لا ينضبط ، ولعلّ مرجعه إلى دعوى غلبة الطاهر والحرام على وجه ليس شيء منهما محصورا في عدد ولا محدودا بحدّ ، وقاعدة إلحاق مورد الشكّ بمورد الغالب تقضي بطهارته وحرمة لحمه.
وكيف كان فقد يجاب عنه : بمنع حصر المحلّلات ، بل المحرّمات محصورة ، والعقل والنقل دلّ على إباحة ما لم يعلم حرمته ، ولذا يتمسّكون كثيرا بأصالة الحلّ في باب الأطعمة والأشربة.
والتحقيق أن يقال : إنّ حصر المحلّلات ، إن اريد به المعنى المصطلح الاصولي المتضمّن للإثبات والنفي مع كونه مستفادا من الأدلّة الشرعية ، ففيه : منع واضح ، بل ظاهر بعض الأدلّة حصر المحرّمات ، ومن ذلك قوله تعالى : ( وَما لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ )(٣) وقوله أيضا : ( قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ )(٤).
وإن اريد به قلّة المحلّلات وغلبة المحرّمات على وجه الخروج عن حدّ الإحصاء ، ففيه أوّلا : منع الصغرى ، بل الإنصاف عدم محصوريّة المحلّلات ولا سيّما في غير اللحوم.
وثانيا : منع الكبرى لأنّ الغلبة ليست من الامور التعبّديّة الصرفة ، بل إنّما يجوز التعويل عليها بناء على الظنون المطلقة حيث أفاد الظنّ باللحوق وهو مع عدم الملازمة محال ، كما
__________________
(١) المناهج السويّة ( مخطوط ) : الورقة ٨٤.
(٢) تمهيد القواعد : ٢٧٠.
(٣) الأنعام : ١١٩.
(٤) الأنعام : ١٤٥.