مظنوني ، وكلّ مظنوني فهو حكم الله في حقّي.
ولا ريب أنّ دليل الأمارة بالمفاد المذكور ـ بملاحظة أنّ من مقدّماته المتمّمة لإنتاجه الحجّيّة إبطال مرجعيّة أصل البراءة في موارد الأمارة بالإجماع ، أو استلزامه مخالفة العلم الإجمالي ، أو الخروج عن الدين أو نحو ذلك ـ متعرّض لحال دليل الأصل ، ببيان أنّ موضوعه ما لم يعلم ولا يظنّ حكمه الواقعي ، وهذا ليس تخصيصا بالمعنى المصطلح ، بل هو شبه تفسير لدليل الأصل من حيث تكفّله لبيان ما يرجع إلى موضوعه.
وممّا يفصح عن ذلك أنّ من أدلّة الأصل العقل المستقلّ بقبح العقاب بلا بيان ، فلو كان دليل حجّيّة الأمارة ممّا أفاد تخصيصا في دليل الأصل لزم منه التخصيص في حكم العقل وأنّه محال ، بخلاف ما لو كان مفادّه ما يرجع إلى موضوع الأصل ، لكون خروج ما قامت الأمارة الغير العلميّة بحكمه الواقعي عن حكم العقل حينئذ خروجا موضوعيّا ، فحكم العقل بقبح العقاب على ما لم يعلم حكمه الواقعي غير شامل لما ظنّ بالأمارة وجوبه أو حرمته ، لدخول عدم الظنّ بالحكم الواقعي أيضا في موضوع ذلك الحكم ، ولذا لو عرض ما ظنّ وجوبه أو حرمته من جهة الأمارة على العقل لم يحكم بملاحظة دليل حجّيّة تلك الأمارة بقبح العقاب عليه.
فانقدح بما ذكرنا : أنّ الأمارة الغير العلميّة واردة على الأصل ، ودليل اعتبارها حاكم على دليل اعتبار الأصل ، فلا تعارض في شيء من المقامين ليتفرّع عليه التزام التخصيص ، المصحّح لإطلاق الخاصّ على الأمارة والعامّ على الدليل.
ثمّ الإضافة في « أصل البراءة » لابدّ وأن تكون لاميّة ، مفيدة للاختصاص من جهة كونه أصلا مفاده البراءة ، لعدم صحّة كونها بيانيّة وإلاّ جاز تقدير لفظة « من » البيانيّة ، وعدم كونها ظرفيّة واضح لعدم كون البراءة ظرفا للأصل ، إلاّ أن يراد بالظرفيّة اشتمال الأصل على البراءة لا اشتمال البراءة على الأصل ، لكن الأوجه هو اللاميّة المفيدة للاختصاص.
ثمّ إنّ الشكّ الّذي عليه مدار الاصول الثلاث المبحوث عنها في هذا الباب إمّا في التكليف أو في المكلّف به ، والمراد بالتكليف هنا خصوص الوجوب والحرمة ، على معنى الإلزام بفعل أو ترك ، ولا حاجة إلى تعميمه بالنسبة إلى الاستحباب والكراهة لا لعدم كونهما من التكليف المأخوذ من الكلفة ليرد : أنّه بحسب الاصطلاح أعمّ من الخمس المعروفة ، ولا لعدم جريان الأصل فيهما أو عدم انصراف أدلّته إليهما ، بل على فرض الجريان