ثمّ إنّ الاحتياط في الوقائع المحتملة للتحريم بالترك والاجتناب بعد نفي وجوبه لمنع أدلّة وجوبه ممّا لا إشكال في حسنه ورجحانه ، لكونه طريق التخلّص عن الحرام الواقعي المحتمل ، بل ولا مانع من المدح والثواب عليه من جهة الانقياد حسبما بيّنّاه في الاحتياط بالفعل والإتيان في الوقائع المحتملة للوجوب. وأمّا بلوغ الرجحان المذكور إلى مرتبة الاستحباب الشرعي أو الكراهة الشرعيّة للارتكاب فمحلّ إشكال ، بل القدر المسلّم منه من جهة العقل إنّما هو رجحانه الغيري ، كما يظهر وجهه من التعليل المتقدّم بكونه طريقا إلى التخلّص عن الحرام الواقعي ، والأوامر الواردة به بعد صرفها عن الوجوب وإبقاء الاحتياط فيها على المعنى المبحوث عنه باعتبار سياقاتها مطابقة لحكم العقل ، فتكون ظاهرة في الإرشاد لمجرّد الحكمة المذكورة ، فلا يترتّب على موافقتها ومخالفتها سوى الخاصيّة المترتّبة على الفعل والترك ، من التخلّص عن الحرام الواقعي والوقوع فيه على تقدير كون الحكم الواقعي المجعول للواقعة هي الحرمة.
تذنيب : في الشبهة التحريميّة الموضوعيّة إذا كان الاشتباه في موضوع خارجي وجزئي حقيقي مردّد بين كونه فردا للعنوان المحرّم المعلوم حرمته أو العنوان المحلّل المعلوم حلّيته ، كالمائع المردّد بين الخمر والخلّ ، والمرأة المردّدة بين الزوجة والأجنبيّة ، واللحم أو الجلد المردّد بين المذكّى والميتة ، إلى غير ذلك ممّا لا يحصى كثرة.
وقد عرفت في مباحث الشبهة الوجوبيّة أنّ الشبهة الموضوعيّة ما لم تكن آئلة إلى الشبهة الحكميّة ليس من شأنها أن يبحث عنها الفقيه ، لكن لمّا كان اشتباه الحكم الشرعي ناشئا عن اشتباه الموضوع بحيث لو زال هذا الاشتباه زال اشتباه الحكم أيضا ، ولو كان السبب في زوال اشتباه الموضوع أصل (١) من الاصول ، كما في مسألة الزوجة المردّدة واللحم المردّد ، فإنّ أصالة عدم الزوجيّة في الاولى وأصالة عدم التذكية في الثاني تقتضي الحرمة ، الّتي هي حكم الأجنبيّة والميتة.
ومن هنا ظهر أنّ الموضوعات المشتبهة المردّدة بين النوع المحلّل والنوع المحرّم على قسمين :
أحدهما : ما وجد فيه أصل من الاصول يعيّن المشبته ويرفع عنه الاشتباه ، وهو المسمّى بالأصل الموضوعي كما في المثالين المتقدّمين ، والحكم في هذا القسم تابع لما يقتضيه الأصل ويعيّنه من الموضوع ، فإن أفاد دخوله في المحلّل فحكمه الحلّية ، وإن أفاد دخوله في المحرّم فحكمه التحريم ، وعلى التقديرين لا يجري فيه أصل البراءة لا على وجه
__________________
(١) كذا في الأصل ، ولعلّ الصواب : أصلا.