لا يجب دفعه عند العقل ، بل نقول : إنّ قوله عليهالسلام : « كلّ شيء لك حلال ... » (١) إلى آخره كما يدلّ على الترخيص في ارتكاب المشتبه ولازمه نفي الضرر الاخروي ، كذلك يدلّ على عدم وجوب دفع الضرر الدنيوي المحتمل فيه ، ولا يلزم به على ما بيّنّاه تخصيص في حكم العقل إمّا لعدم قضاء العقل بوجوب دفع كلّ ضرر ولا مع كلّ احتمال ، أو لأنّ حكم العقل بوجوب دفعه فيما يحكم به إرشاديّ صرف لا يقصد به إلاّ مجرّد التخلّص عن الضرر المحتمل ، فلا يترتّب على موافقته ومخالفته سوى ما يترتّب على الفعل والترك ، فلا ينافيه عدم الوجوب الشرعي الّذي يترتّب على مخالفته العقاب ، ولا يلزم من ترخيص الشارع في الوقوع على الضرر الدنيوي قبح عليه إمّا لكون الضرر ممّا يتسامح فيه عند العقلاء ، أو لكفاية العقل الموجود فيه في الإرشاد إلى دفعه وإن لم يترتّب على تركه عقاب من الشارع ووظيفة الشارع بيان ما يرجع إليه من المؤاخذة وعدمها ، أو لأنّ التعويل على ترخيص الشارع في الارتكاب ربّما يصير ترياقا يندفع به الضرر الّذي في قوّة الحصول على تقدير مصادفة الحرام الواقعي ، فليتدبّر.
ولكن لا يخفى عليك أنّ إثبات أصل البراءة في الموضوعات بطريق العقل على الوجه المذكور إنّما يتمّ حيث لم يمكن تحصيل العلم والمعرفة ، ولم يكن طريق إلى رفع الاشتباه ولو بواسطة أصل من الاصول المشخّصة للموضوعات ، إذ لا يأبى العقل عن المؤاخذة على مخالفة الحرمة الواقعيّة عند مصادفة الحرام الواقعي فيما أمكن معرفته ، وحينئذ فطريق إثبات الأصل في هذه الصورة منحصر في الأدلّة الاخر ، ويكفي فيه إطلاق قوله : « كلّ شيء لك حلال ... الخ ». مضافا إلى ما دلّ على عدم وجوب الفحص للعمل به في الموضوعات كما سنبيّنه.
المطلب الثالث
من الشكّ في التكليف في دوران الأمر بين الوجوب والتحريم لشبهة حكميّة أو موضوعيّة ، والمراد به ما انتفى فيه احتمال غيرهما من إباحة أو استحباب أو كراهة ، إذ مع احتماله كانت المسألة ممّا يتركّب من دوران الأمر بين الوجوب وغير التحريم ، أو بين التحريم وغير الوجوب ، فيعلم حكمها ممّا عرفت فيهما من البناء على البراءة في نفي
__________________
(١) الكافي ٥ : ٣١٣ ، ح ٤٠ ، التهذيب ٤ : ٢٢٦ ، ح ٩٨٩ ، الوسائل ١٢ : ٥٩ الباب ٤ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث الأول.