ولا منافاة بين استحباب كون اللفافة حبرة ، واستحباب جعلها زيادة على الثلاثة كما ذكروه ، للاخبار الدالة عليه ، وذلك ظاهر فتأمل.
وفي حديث الخدري لما حضره الموت دعا بثياب جدد فلبسها ، ثم ذكر عن النبي صلىاللهعليهوآله أنه قال : ان الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها.
أقول : الثوب في اللغة اللباس ، كما في القاموس (١) وغيره.
وأما هنا فالمراد بثيابه أعماله الحسنة أو السيئة ، وصفاته الحميدة أو الذميمة وأخلاقه الفضيلة أو الرذيلة الحالة ، أو الملكة في النفس ، فان كل ما يدركه الانسان بحواسه يرتفع منه أثره الى روحه ، ويجتمع في صحيفة ذاته وخزانة مدركاته.
وكذلك كل مثقال ذرة من خير أو شر يعمله يرى أثره مكتوبا ثمة ، وخاصة ما رسخت بسببه الهيئات ، وتأكدت به الصفات وصار خلقا وملكة ، فانه مما يصير كثيابه المحيطة به اللازمة له ، قال الله تعالى ( بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ ) (٢).
لكنه اليوم مكتوم عن مشاهدة الابصار ، وانما يكشف بالموت ورفع ما تورده الشواغل الحسية ، فشبه صفاته واخلاقه في احاطتها بالنفس ، أو في فضيلتها ورذيلتها بالثياب في احاطتها وشمولها للبدن ، وفي جيادتها ورداءتها.
فالكلام اما تمثيل وتشبيه للمعقول بالمحسوس ، أو استعارة مصرحة ذكر فيه المشبه به وأريد به المشبه ، وقد جاء في تفسير قوله تعالى ( وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ) (٣) أي : ونفسك فطهرها من الذنوب والرذائل ، والثياب عبارة عنها ، فيكون بحذف
__________________
(١) القاموس ١ / ٤٢.
(٢) سورة البقرة : ٨١.
(٣) سورة المدثر : ٤.