وقل ما يكون فيهم من يستطيع الرجوع الى كتاب فقهي ، بل لا علم له بما فيه ولا بمدركه ومأخذه ، ولا بصحته وسقمه ، وانما يقول ما يقول من مقولة الرجم بالغيب.
وبهذه الأهواء المضلة يضلون ويضلون ولا يهتدون ، فذرهم في غمرتهم يعمهون حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون.
فإن المروي عن سيدنا أبي عبد الله الصادق عليهالسلام أنه قال : لا تحل الفتيا لمن لا يستغني (١) من الله بصفاء سره وإخلاص عمله وعلانيته وبرهان من ربه في كل حال ، لان من أفتى فقد حكم ، والحكم لا يصح الا بإذن من الله وبرهان. ومن حكم بالخبر بلا معاينة فهو جاهل مأخوذ بجهله ومأثوم بحكمه (٢).
ونحن نشرح هذا الحديث بهذا التقريب لتكون فائدته أتم ، والحجة على هؤلاء الغاغة أقوم.
فنقول : الفتيا بالياء وضم الفاء ، والفتوى بالواو وفتح الفاء ، ما أفتى به الفقيه.
وفيه دلالة على أن صفاء السر والعلانية وإخلاص العمل علة موجبة لان يفيض من الله عز اسمه على المفتي ما يغنيه في باب الإفتاء عن غيره تعالى ، بأن يعطيه الله من فضل رحمته قوة يتمكن بها من رد الفرع إلى أصولها واستنباطها منها.
وهذه القوة هي العمدة في هذا الباب ، والا فتحصيل مقدمات الاجتهاد كما قيل قد صار في هذه الأزمان لكثرة ما حققه العلماء والفقهاء فيها وفي بيان استعمالها سهلا.
__________________
(١) في المصباح : لا يصطفي.
(٢) مصباح الشريعة ص ١٦.