بالحق وهو يعلم فهو في الجنة (١).
والوجه في كون ثالث الثلاثة في النار وقضاءه بالحق ، ان من قضى بغير علم فقضاؤه هذا وان وافق الحق فهو جور لعدم العلم ، فالمراد بجمرتين من نار هو الحكمان المفضيان إليها ، فإن لسان القاضي بينهما الى أن يقضي بين الناس ، فان قضى بينهم بالحق فإلى الجنة ، فان لم يقض بينهم بواحد منهما فإلى الجنة ، والا فإلى النار.
والإيراد على هذا الوجه ما أوردناه على الوجوه السابقة ، فإن لسان القاضي يشهد له ، فإنه يكون بين الحكمين ، ولا يكون بين الميلين ، ولا بين النفس والشيطان ، ولا بين غيرها مما سبق الا بين الخصمين.
الا أن في هذا الوجه تكلف من وجه آخر ، وهو جعل « حتى » تعليلية ، فإنه خلاف الظاهر ، تأمل.
ويحتمل أن يكون هذا اخبارا عن حال القاضي بالجور وما يفعل به يوم القيامة ، بان لسانه فيه بين جمرتين من نار حتى يحكم الله بين الناس ، ويفرغ من حسابهم ، فاما أن يأمر باذهابه إلى الجنة ، واما أن يأمر باذهابه الى النار ، و « حتى » لانتهاء الغاية ، و « يقضي » على بناء المفعول ، والكلام محمول على الحقيقة.
فلا يرد أن القاضي بالحق وهو يعلم أنه حق لا يكون لسانه يوم القيامة بين جمرتين من نار ، لان هذا كما أشرنا إليه مخصوص بغيره ، وهو القاضي بالجور ، وتكون اللام في القاضي للعهد ، فلا عموم فلا تخصيص.
أو يقال : لما كان أغلب أفراد القاضي جائرا معذبا بهذا النوع من العذاب ، أطلق الحكم وجعله كليا ، تغليبا للأكثر على الأقل ، لأن القاضي كما سبق أربعة : ثلاثة في النار ، وواحد في الجنة ، وهو مع ذلك فرد نادر.
__________________
(١) الخصال ص ٢٤٧ ، برقم : ١٠٨.