ثمّ الأصل المنصوص به قد يعارضه أصل آخر منصوص به بنحو التباين فيتوقّف العمل بهما على اعتبار التخصيص في كليهما بشاهدين خارجيّين ، أو بنحو العموم من وجه فيتوقّف الأخذ بهما على اعتبار التخصيص في أحدهما بشاهد ويعيّن مورده ، أو بنحو العموم مطلقا فيتوقّف العمل على تحكيم الخاصّ على العامّ ، وقد يحكّم العامّ على الخاصّ إذا طرأه ما يوجب وهنه من مخالفة الشهرة وذهاب المعظم إلى خلافه ونحوه ، وفي العامّين من وجه قد يكون أحدهما أظهر من الآخر وهو يقتضي بنفسه الحكومة على الآخر ، وقد يكون أقلّ أفرادا من صاحبه فيقتضي الحكومة أيضا ، وقد يكون التخصيصات الواردة عليه من الخارج أقلّ منها في صاحبه وهو أيضا يقتضي الحكومة ، ومعلوم أنّ التفريع المأمور به في نصوص الباب لا يتأتّى إلاّ بعد مراعاة جميع هذه الجهات وهذه بعينها هي معنى الاجتهاد الظنّي الّذي هو عبارة عن إعمال ظنون اجتهاديّة.
فمذهب الأخباريّين في العمل بتلك النصوص إن كان منوطا بمراعاة جميع هذه الجهات فارتفع النزاع بينهم وبين المجتهدين ورجع الخلاف بين الفريقين إلى كونه لفظيّا ، ولعلّه من هنا قد يقال : إنّ الأخباريّين مجتهدون من حيث لا يعلمون ، وإن لم يكن منوطا بمراعاتها فهم منكرون لتلك النصوص وليسوا بعاملين بها وهو خلاف طريقتهم المعروفة من أنّهم لا يتعدّون عن مقتضيات الأخبار المرويّة عن أهل العصمة كما لا يخفى.
ثمّ إنّ الفاضل الأمين الأسترآبادي بعد ما أورد في نفي الاجتهاد وردّ المجتهدين بما تقدّم منه من الوجوه الّتي سمعت دفعها عقد في كتابه الموسوم بـ « الفوائد المدنيّة » بابا على حدة في بيان انحصار المرجع في السماع عن الصادقين عليهماالسلام وخصّه بغير ضروريّات الدين من المسائل الشرعيّة أصليّة كانت أو فرعيّة وتمسّك له بوجوه سخيفة :
أوّلها : عدم ظهور دلالة قطعيّة وإذن في جواز التمسّك في نظريّات الدين بغير كلام العترة الطاهرة ، ولا ريب في جواز التمسّك بكلامهم فتعيّن ذلك ، والأدلّة المذكورة في كتب العامّة وكتب متأخّري الخاصّة على جواز التمسّك بغير كلامهم مدخولة أجوبتها واضحة.
وثانيها : الحديث المتواتر بين الفريقين « إنّي تارك فيكم الثقلين [ ما ] إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي ، كتاب الله وعترتي لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض » (١) ومعنى الحديث كما يستفاد من الأخبار المتواترة أنّه يجب التمسّك بكلامهم إذ حينئذ يتحقّق التمسّك
__________________
(١) مسند أحمد بن حنبل ٣ : ١٤ ، الكافي ١ : ٢٩٤ ، ح ٣ ، الخصال : ٦٥ ، ح ٩٧.