ألا ترى أنّ الإماميّة استدلّت على وجوب عصمة الإمام بأنّه لو لا العصمة للزم أمره تعالى عباده باتّباع الخطأ وذلك محال لأنّه قبيح عقلا.
وأنت إذا تأمّلت في هذا الدليل علمت أنّ مقتضاه : أنّه لا يجوز الاعتماد على الدليل الظنّي في أحكامه تعالى أصلا سواء كان ظنّي الدلالة أو ظنّي المتن أو ظنّيهما.
والعجب كلّ العجب أنّ جمعا من الأفاضل القائلين بصحّة هذا الدليل رأيتهم قائلين بجواز العمل بالدليل الظنّي ونبّهتهم على تنافي لازميهما فلم يقبلوا ـ إلى أن قال ـ :
فائدة شريفة نافعة فيها توضيح لما اخترناه من أنّه لا عاصم عن الخطأ في النظريّات الّتي مبادئها بعيدة عن الإحساس إلاّ التمسّك بأصحاب العصمة صلوات الله عليهم ، وهي أن يقال : الاختلافات الواقعة بين الفلاسفة في علومهم والواقعة بين علماء الإسلام في العلوم الشرعيّة السبب فيها إمّا أنّ أحد الخصمين ادّعى بداهة مقدّمة هي مادّة الموادّ في بابها وبنى عليها فكره والخصم الآخر ادّعى بداهة نقيضها أو استدلّ على صحّة نقيضها وبنى عليها فكره أو منع صحّتها ، وإمّا أنّ أحد الخصمين فهم من كلام خصمه غير مراده ولم يخطر بباله مراده فاعترض عليه ولو خطر بباله مراده لرجع عن ذلك.
وبالجملة سبب الاختلاف إمّا إجراء الظنّ مجرى القطع ، أو الذهول والغفلة عن بعض الاحتمالات أو التردّد والحيرة في بعض المقدّمات ، ولا عاصم عن الكلّ إلاّ التمسّك بأصحاب العصمة صلوات الله وسلامه عليهم ، والمنطق بمعزل عن أن ينتفع به في هذه المواضع ، وإنّما الانتفاع به في صورة الأفكار فقط » (١) انتهى.
أقول : قد عرفت الجواب عن أكثر هذه الوجوه بصريح ما تقدّم وتعرف الجواب عن الباقي أيضا بالتأمّل فيما سبق.
ومع الغضّ عن ذلك فنقول هنا :
أوّلا : أنّ تخصيص الصادقين بالذكر مع أنّ الأئمّة عليهمالسلام كلّهم في حكم واحد غير واضح الوجه ، إلاّ أن يكون المراد بالصادق هنا معناه الوصفي مرادا به النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم والوصيّ عليهالسلام.
وثانيا : أنّ خصوصيّة السماع منهما ممّا لا مدخل لها أصلا ولم يقل باعتبارها أحد منّا ، ولا سبيل إليها في شيء من أعصارنا بل الأعصار القديمة حتّى أعصار الأئمّة بل عصر النبيّ أيضا بالنسبة إلى غالب المكلّفين النائين الغير المتمكّنين من الوصول إليهم والسماع
__________________
(١) الفوائد المدنيّة : (٢٥٤ ـ ٢٦٠).