ولكنّ الإنصاف : أنّ الاستناد إلى كونها مؤدّيات اجتهاد نفسه ممّا لا محيص من اعتباره في صدق الامتثال ، والاستناد إلى كونها مؤدّيات اجتهاد غيره مضرّ لنفس أدلّة منع التقليد على المجتهد ، فإنّ التقليد في حاصل المعنى عبارة عن الالتزام بقول الغير ورأيه من حيث إنّه قوله ، على وجه يتضمّن الاستناد إلى قوله عند المسألة عن وجه هذا الالتزام بقولنا : « لأنّه قول فلان » على الوجه الّذي يصنعه المقلّد العامّي ، كما ينبّه عليه القياس المعروف المعبّر عنه : « بأنّ هذا ما أفتى به المفتي ، وكلّما أفتى به المفتي فهو حكم الله في حقّي » والمنع من التقليد بهذا المعنى لا محصّل له إلاّ المنع من الاستناد المذكور.
وأيضا فإنّ كلّ حكم لم يعلمه المكلّف [ كونه ] حكما فعليّا في حقّه يقبح له عقلا أن يتديّن به على أنّه حكم الله كما هو واضح ، وهو الوجه في قبح التعبّد بالظنّ ما لم يقم قاطع بحجّيته كما بيّنّاه سابقا.
والّذي علمه هذا المجتهد كونه حكما فعليّا في حقّه إنّما هو مؤدّى اجتهاد نفسه لأنّه علمه كذلك بطريق الاجتهاد ، وأمّا هو من حيث إنّه مؤدّى اجتهاد غيره فلم يعلمه هذا المجتهد [ كونه ] حكما فعليّا في حقّه بل علم خلافه ، فيقبح التديّن به على هذا الوجه ويتعيّن التديّن به على الوجه الأوّل وهذا هو معنى الاستناد ، ولكن لا يعتبر فيه الالتفات التفصيلي بل يكفي فيه الإجمال.
وضابطه أن يكون قضيّة كون معلوماته مؤدّيات اجتهاده الّتي التزمها على أنّها أحكام فعليّة في حقّه حاضرة في نفسه مركوزة في ذهنه بحيث حيثما سئل عن وجه الالتزام يجيب : « بأنّه ما أدّى إليه اجتهادي ، وكلّ ما أدّى إليه اجتهادي فهو حكم الله في حقّي وحقّ مقلّدي ».
ـ تعليقة ـ
إذا بلغ العالم رتبة الاجتهاد ولم يجتهد فعلا في المسائل كلّها أو بعضها فهل له بالقياس إلى ما لم يجتهد فيه فعلا أن يرجع إلى مجتهد غيره ويقلّده ، كما له أن يجتهد ويبني على مجتهداته أو لا؟ بل يتعيّن عليه الاجتهاد وامتثال أحكام الله تعالى المعلومة بالإجمال بطريق الاستنباط ولا يقوم مقامه امتثالها بطريق التقليد ، فيه خلاف على قولين :
أحدهما : أنّه لا يجوز له التقليد مطلقا ، وهو على ما في مفاتيح السيّد للعدّة والمعارج