ويظهر ضعف هذه الوجوه بالتأمّل بل بعضها واضح الضعف بحيث لا يحتاج إلى التأمّل.
حجّة القول بجواز التقليد وجوه :
أحدها : قوله عزّ من قائل : ( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ )(١) وهو قبل الاجتهاد لا يعلم والآخر يعلم ومن أهل الذكر ، فوجب عليه السؤال للعمل به وهو المطلوب.
والجواب عن ذلك ـ بعد الإغماض عن أنّ الخطاب في الآية مع أهل الكتاب فالمراد بأهل الذكر علماؤهم كما يظهر من سياقها ومن شأن نزولها ، ثمّ بعد التسليم والإغماض عن أنّ المراد بأهل الذكر خصوص أئمّتنا لا مطلق أهل العلم كما ورد في الأخبار المستفيضة المفسّرة للآية ، وتسليم أنّ المراد بأهل الذكر مطلق أهل العلم المتناول للمجتهدين أيضا ـ من وجوه :
الأوّل : ظهور الآية منطوقا ومفهوما في العلم وعدم العلم بالأحكام الواقعيّة فتكون مختصّة بالمتمكّنين من العلم بالأحكام الواقعيّة بواسطة سؤال أهل العلم كأهل أزمنة الحضور ، ويؤيّده كونها من قبيل خطاب المشافهة المختصّ بالمشافهين.
الثاني : بعد تسليم ظهورها في العلم بالأحكام الفعليّة ـ ظاهريّة كانت أو واقعيّة ـ يمنع كون العالم المتمكّن من الاجتهاد قبله غير عالم ، فإنّه لبلوغه رتبة الاجتهاد يعلم بمقتضى أدلّته القطعيّة أنّ مؤدّيات اجتهاده الّتي هو متمكّن من العلم بتفاصيلها بالاجتهاد أحكام فعليّة في حقّه ، فهو عالم بالأحكام الفعليّة.
غاية الأمر أنّه علم إجمالي لعدم علمه بتفاصيل الأحكام ، ودعوى ظهور العلم في التفصيلي غير مسموعة كما قرّر في محلّه ، فمحلّ البحث مندرج في مفهوم الآية.
ولو سلّم عدم ظهور اندراجه فيه لدعوى عدم انصراف إطلاق العلم إلى الإجمالي ، فلا يسلّم اندراجه في المنطوق أيضا لظهور « لا تعلمون » في الجهل الساذج الّذي لم يجامع العلم الإجمالي كما لا يخفى ، فهو كما لا يندرج في المفهوم كذلك لا يندرج في المنطوق فيبقى خارجا عن مورد الآية بالمرّة.
والثالث : أنّ الحكم في الآية وإن كان بمقتضى مفردات الكلام معلّقا على عدم فعليّة العلم ، لكن الظاهر المنساق منها بمقتضى الهيئة التركيبيّة كونه معلّقا على عدم التمكّن من العلم من غير جهة السؤال.
__________________
(١) النمل : ٤٣.