ساوى المجتهد المطلق في تلك المسألة ، وعدم علمه بأدلّة غيرها لا مدخل له فيها. وحينئذ فكما جاز لذلك الاجتهاد فيها فكذا هذا.
واحتجّ الآخرون : بأنّ كلّ ما يقدّر جهله يجوز تعلّقه بالحكم المفروض.
فلا يحصل له ظنّ عدم المانع من مقتضي ما يعلمه من الدليل *.
وأجاب الأوّلون : بأنّ المفروض حصول جميع ما هو دليل في تلك المسألة بحسب ظنّه ، وحيث يحصل التجويز المذكور يخرج عن الفرض.
__________________
ممّا لا يتفوّه به جاهل فضلا عن العالم الكامل.
وإن أراد بما ذكره اطّلاع المتأخّر من الفروع المتجدّدة على ما لم يطّلع عليه المتقدّم فهو ممّا لا مدخل له بمحلّ البحث ، نظرا إلى أنّه ليس من جهة ضعف ملكة المتقدّم وقوّة ملكة المتأخّر ، ولا من جهة كمال قوّة المتأخّر وقصور قوّة المتقدّم ، بل لأنّ المتأخّر إذا دخل في المسألة ووجد المتقدّم محيطا بجميع جهاتها الظاهرة ومستوفيا لسائر أطرافها المنضبطة رافعا للكلفة عن المتأخّر بالقياس إليهما فلا جرم هو يبالغ في استخراج ما شذّ عن المتقدّم تعصّبا ، أو اختبارا لمقام فكره وسعة نظره ، أو حبّا منه ليشتهر بين الناس بإحداث فكر جديد كما يشاهد كلّ ذلك بين أبناء النوع من أهل الصناعة.
وأمّا في الوجه الرابع : فلأنّ ظاهر كلام القوم واحتجاجاتهم ونقوضهم وإبراماتهم فرض التساوي بينهما في أصل الظنّ لا في مقداره ومرتبته ولا في اعتباره ، بل هذا صريحهم في المقام الثاني مع أنّ إطلاق منع التساوي في المقدار أيضا كما ترى.
* ويظهر جوابه ممّا تقدّم مستوفى في تحرير ثاني دليل المجوّزين ، ومخلّصه أمران :
أحدهما : أنّ المفروض حصول جميع ما هو دليل وجودا وعدما بحسب ظنّه وحيث يحصل التجويز المذكور خرج عن الفرض ، مع أنّه إن اريد بالتجويز مجرّد احتمال وجود المانع فهو لا ينافي تأتّي حصول الظنّ بعدمه ، كيف وأنّ الظنّ ما اخذ في ماهيّته احتمال الخلاف ، وإن اريد به رجحان وجوده فهو خلاف فرض المساواة.
وثانيهما : أنّه بعد تحرير الأئمّة للأمارات وتخصيص كلّ بعض منها بما يليق به من المسائل عرف الفقيه أنّ ما عداها لم يكن له تعلّق بتلك المسألة وإنكاره مكابرة بيّنة.