ومن هنا ترى بعض الفضلاء ـ تبعا لبعض الأعلام ـ ضمّ إلى الاحتجاج بلزوم الدور معنى ما ذكره المصنّف ليبطل به احتمال التقليد أيضا بقوله : « ورجوعه في جواز التجزّي إلى فتوى المجتهد المطلق يوجب خلاف الفرض ، إذ المقصود إلحاقه بالمجتهد أوّلا وبالذات لا ثانيا وبالعرض ».
وبالجملة فلو لا انضمام هذه المقدّمة لم ينهض مجرّد الدور منتجا لبطلان عمل المتجزّي بظنّه رأسا.
وكيف كان فقد قرّر لزوم الدور بوجوه :
منها : ما عزى إلى الفاضل الجواد « من أنّ صحّة اجتهاد المتجزّي في المسائل موقوفة على صحّة اجتهاده في جواز التجزّي ، وصحّة اجتهاده في جواز التجزّي موقوفة على صحّة اجتهاده في المسائل إذ هذه أيضا من المسائل المجتهد فيها ». والظاهر أنّ المراد بصحّة الاجتهاد ترتيب الآثار الشرعيّة الّتي منها جواز عمله بظنّه الحاصل.
فيقرّر الدور حينئذ : بأنّ جواز عمل المتجزّي بظنّه في المسائل موقوف على جواز عمله بظنّه في مسألة جواز التجزّي ، وهو موقوف على جواز عمله في ظنّه في المسائل لأنّ مسألة جواز التجزّي من جملة المسائل.
وجوابه أوّلا : على تقدير كون المراد من المسائل في المقدّمة الاولى ما يعمّ الاصوليّة والفروعيّة ـ كما عليه مبنى الإشكال ـ : أنّ جواز العمل بالظنّ فيها لكونه حكما شرعيّا يتوقّف ثبوته بحسب الواقع على جعل الشارع إيّاه لا على شيء آخر ، فبطل توهّم التوقّف في المقدّمة الاولى.
نعم المتوقّف على غير جعل الشارع إنّما هو العلم بذلك الجواز الثابت في الواقع ، غير أنّه لا يتوقّف على الجواز المأخوذ في مسألة جواز التجزّي الّتي هي مسألة اصوليّة ، وإنّما يتوقّف على الدليل العلمي الناهض على جواز عمل المتجزّي بظنّه المطلق.
والمفروض أنّ المتجزّي إنّما يدّعي الجواز لدليل علمي أقامه على حكم المسألة مطلقا ، ولا يفترق الحال في ذلك بين كون هذا الدليل ناهضا على الظنّ في مطلق المسائل اصوليّة وفروعيّة أو عليه في خصوص المسائل الفرعيّة ، ولا بين فرض كونه في المسائل الاصوليّة مجتهدا مطلقا أو متجزّيا أيضا ، مع كون عنوان التجزّي في المسائل الاصوليّة صادقا عليه بالقياس إلى مسألة جواز التجزّي أو بالقياس إلى غيرها من المسائل الاصوليّة ، على معنى