المساواة بينهما إنّما تتأتّى لغير الظانّين كالمنازعين في المسألة إذا كان غرضهم معرفة نفس الأمر ، وكالمقلّدين إذا كان غرضهم تعيين ما يكون مرجعا لهم في مقام العمل ، وأمّا كلّ من الظانّين بأنفسهما فلا يتأتّى ملاحظة القوّة والضعف والمساواة في حقّه ، بأن يكون الظنّ الحاصل له في نظره أقوى من ظنّ صاحبه تارة وأضعف منه اخرى ويساويه ثالثة ، بل هذا الاختلاف بالنسبة إلى نظره غير معقول ، كيف وليس الظنّ الحاصل لصاحبه في نظره إلاّ الاحتمال المرجوح المجامع لظنّه ، فكيف يعقل كونه في نظره أقوى من ظنّه تارة ومساويا له اخرى؟ بل هو في نظره ليس ظنّا ، فإطلاق القول بكون ظنّ المجتهد المطلق أقوى من ظنّ المتجزّي فيتعيّن الرجوع إليه ليس على ما ينبغي ، لكونه في نظر المتجزّي إذا لاحظه مقيسا إلى ظنّه وهما.
نعم إنّما يتمّ كونه أقوى منه إذا لاحظهما غير المطلق والمتجزّي ممّن ينازع في المسألة أو من شأنه التقليد فيلاحظهما لتعيين الأقوى منهما وتشخيص الأقرب منهما إلى العلم في نظره بحسب نفس الأمر حتّى يرجع إليه ويأخذ به ، فكون ظنّ المطلق أقوى من ظنّ المتجزّي في نظر المنازعين من المجتهدين أو في نظر المقلّدين لا يستلزم كونه كذلك في نظر المتجزّي أيضا ، والعبرة في تعيّن الرجوع إلى أقوى الظنّين بكون الأقوائيّة ثابتة في نظر المكلّف ولو من جهة شهادة أهل الخبرة لا في نظر غيره ، وهذا هو السرّ في اختلاف الحكم في الأعلم وغير الأعلم ، حيث إنّ غير الأعلم ليس له إلاّ العمل بظنّ نفسه لكون اعتقاد الأعلم في نظره مخالفة للواقع فلا يجوز الأخذ به ، ويتعيّن على من يريد تقليدهما الرجوع إلى الأعلم دون غيره لكون ظنّه أقوى واجتهاده أقرب إلى الواقع.
وبالجملة فقضيّة حكم العقل بملاحظة انسداد باب العلم وجوب الرجوع إلى ما هو أقرب إلى العلم ، ويستحيل منه الحكم بالرجوع إلى ما هو أبعد عنه ، فيتعيّن على الظانّ الغير المتمكّن من العلم الأخذ بالراجح من الاحتمالين في نظره لكونه الأقرب إلى العلم وليس ذلك إلاّ ظنّه ، لكون الاحتمال الآخر المجامع للاحتمال المذكور أبعد عن العلم وليس له الأخذ به بحكم العقل.
ولا ريب أنّ الظنّ الحاصل لغير هذا الظانّ مقيسا إلى ظنّه ليس في نظره إلاّ ما هو الاحتمال المرجوح الأبعد ، فيستحيل من العقل إلزامه بالرجوع إليه.
نعم لو ثبت أنّ الشارع أسقط اعتبار الاحتمال الراجح في نظر المكلّف وعيّن له